كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
وقد وقع لي بعد قول شاه العارفين ـ رحمة الله عليه ، وقدّس الله روحه : إن القوم لما خرجوا من رؤية علل الحوادث ، وغرقوا في بحار الذات والصفات أرادوا أن يثنوا عليه بما رأوا منه من عجائب أنوار الصفات ، وأسرار الذات ، فما وجدوا ثناءه عليه إلا من تعريفه إليهم ، فوجدوه المنعم عليهم في جميع ما وصفوه به ، فلا يكون لهم موضع من ثنائه إلا الحمد لتأييده لهم ؛ فإن منتهى قول الوصافين صفاته العجز عن البلوغ إلى حقائق ثنائه ، ولا يتعرض لهم بعد ذلك إلا الحمد ، ثم العجز عن الحمد عن الخجل في المحمود القديم.
قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) : إن الله تعالى وصف المتحيرين بين القضاء والقدر والإرادة والمشيئة ، فإذا أظلم عليهم سجوف ليالي البليات ، وأذهب عنهم مباشرة القهر أثر الراحات حرك يد اللطف الأزلي سلاسل عقود قلوبهم إلى إقبال الحضرة ، وأضاء تنفس صباح لوائح الغيب في أسرارهم ، فصرفهم بنعت الاضطرار إلى باب الربوبية ، فرأوا هنالك أعلام قهر الجبروت ، وخرجت عقولهم من مكمن جنس الامتحان ، وحثهم إلى التضرع في ميادين السلطنة ، فخلصوا من ورطة الامتحان بدعائهم على باب الرحمن ، فما سكنوا عن تواتر البلاء ، فاشتهت عقولهم بقاءهم في الاستقامة ،