قال أبو سعيد الخراز في قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) : هم به وله ، موقوفون بين يديه ، غير أن الحق ممتع لهم بما له ، أراهم من عظيم الفوائد وجزيل الذخائر مما لا يقع لهم علم به ، ولا علم عليه قبل حين وروده حتى يكون الحق مطالعا لهم على ما يريد من ذلك على حسب ما قسمه لهم ، فهم في ذلك على أحوال شتى ، فذلك قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : جعل سكون العشاق والمشتاقين والمحبين في الليل المناجاة معه ، ونيل الوصال منه ، وخفض جناح القهر تحت أقدام الهمة الجامعة ، ينظر عين الجمع إليها ، ما أطيب أنس العارفين في الليالي حين أمطروا من عيونهم الباكية من شوق الله الدرر واللالئ.
وأنشد :
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى |
|
ويجمعني بالليل والهمّ جامع |
وجعل النهار سريان أنوار القدرة ، تطلع من جبتها كل لحظة شمس الصفات ، وأنوار الذات ، فصار مرآة نظر العارفين ، وتجلى الحق فيها لهم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي
__________________
ـ واعلم أنه ليس للولي مساكنة إلى الكرامة التي تظهر عليه ، ولا له ملاحظة لها ، وربما تكون لهم في ظهور جنسها قوة يقين وزيادة بصيرة لتحققهم أن ذلك فضل الله تعالى مستدلين على صحة ما هم عليه من العقائد.