قال بعضهم : الحق على ثلاثة أوجه : حق أحق ، وهو قوله : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي : كون الكون بكلماته ، وحق أحقه حق ، وهي : الصفات ؛ لأنها قائمة بالموصوف ، والموصوف قائم بالصفات ، والحق المطلق هو الله ، قال الله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ).
قال الحسين : حقّ الحق بكلماته أي : بإظهار ما أوجد تحت الكن.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) أي : إن كنتم عرفتم الله ، وكنتم منقادين لربوبيته العبودية فعليه توكلوا ، فإن المعرفة والانقياد والعبودية توجب تسليم الوجود لتصرف خالقه بنعت استلذاذ مرارة الامتحان.
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))
سئل إبراهيم الخواص عن قوله : (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا)؟ قال : تناولوا السبب من الله بلا واسطة.
قوله تعالى : (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) : عرف الله سبحانه لهما مكان الدعاء حتى يعرفا مكان الإجابة والسؤال ؛ لأن مكان الدعاء مكان الإجابة ، ومن لم يعرف مكان الإجابة لا يستحسن منه الدعاء والسؤال ، (فَاسْتَقِيما) في معرفتكما مكان السؤال مني بشرط معرفتكما مني مكان الإجابة ، وذلك مكان الرضوان والبسط والانبساط.
وأيضا : هذا تهديد لهما أي : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) لضعفكما من تحمل وارد امتحاني ، (فَاسْتَقِيما) بعد ذلك في تحمل بلائي والصبر فيه ؛ فإن استقامة المعرفة تقتضي الرضا بالقضاء والسكون في البلاء.
قال ذو النون : الاستقامة في الدعاء ألا تقنط لتأخير الإجابة ، ولا تسكن إلى تعجيل الإجابة ، ولا تسأل سؤال خصوص.