الأزل ، فيرى الحدث متكلفا بين أنوار القدم :
أنا مبصر وأظنّ أنّي نائم |
|
ويجمعني بالليل والهمّ جامع |
كبر العيان عليّ حتّى أنّ |
|
صار اليقين من العيان توهّما |
قال ابن عطاء في قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) : مما فضلناك وشرفناك ، فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ، وهم الأعداء كيف وجدوا وصفك في كتبهم ، وكيف رأوا فيها نشر فضائلك يدل عليه قوله عليهالسلام حين أنزلت هذه الاية : «لا أشكّ لا أشكّ» (١).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) : تقاضى سر الأزل من الأزل لقهره ولطفه أهلا يكونون من مصرفهما صادرين ، وإليهما راجعين بنعوتهما ، فأجاب الحق سبحانه سره بكلماته الأزلية بسعادة السعداء ، وشقاوة الأشقياء ، فلزم سمات لطفه الأزلية على وجوه المقبولين ، وألزم سمات قهره على أعناق المطرودين ، فبقي أهل اللطف من الأزل إلى الأبد في لطفه ، ويقبلون منه ما يصدر من إرادته ومشيئته وأمره ، وبقي أهل قهره من الأزل إلى الأبد في ظلمات قهره ، فلا يرون واضحات مواهبه على أنبيائه وأوليائه إلا وينكرون عليها ؛ لأنهم يرونها بعيون مظلمة وأبصار مطموسة.
قال الواسطي : من لم يلحقه نور الأزل لا يتبين عليه صفاء الوقت ؛ فإن صفاء الأوقات نتائج أنوار الأزل ، قال الله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ).
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))
قوله تعالى : (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) : أعلم الحق سبحانه أن شأن مشيئته لا يكون على سنن العقول وإدراك الفهوم لما رفع مسنون المعهود الذي جرى عادته في رسم المواجدة أن يأخذ بعد معاينة العذاب ، ولا يقبل التضرع والتواضع فحول ذلك ، وقبل تضرع المتضرعين عند معاينة البأس ؛ لئلا يظن ظانّ أن أمره على مقادير العقول ، تعالى الله أن يكون في حين الدركات ، التجأوا منه إليه ، فانكشف لهم صبح الوصال من مطالع الجمال بعد ذهاب دجى الضلال ، فعاينوه بعد التجائهم ، فعكس أنوار طلوع شمس الألوهية عليهم ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.