والحجة لهذا القول : أن إيجاب التلبية لا يكون إلا بدليل ، وليس في الظواهر نحو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «الحج عرفات» وخبر جابر قال : «خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ننوي إلا الحج ، فلما دنونا من مكة قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة» فصح إحرامهم بمجرد النية.
أما النية فلا خلاف في وجوبها (١) ، وعليه يدل الخبر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنما الأعمال بالنيات».
وقال الناصر ، وهو الذي خرجه أبو العباس وأبو طالب للهادي عليهالسلام وهو قول أبي حنيفة : إن الفرض لا يكون لمجرد النية ، بل لا بد من أمر زائد ، وهو التلبية ، أو التقليد ، وحجتهم أن الآية مجملة ، وفعله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيان ، وبيان المجمل الواجب واجب ، وقد روي أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أحرم بالحج لبى ، ولأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعائشة «أهلي بالحج» والإهلال حقيقة في الذكر ، وقياسا على الصلاة فإنها لا تنعقد بمجرد النية ، والأولون يقيسون على الصوم بعلة أنه عبادة لا يجب في آخرها ذكر ، فلا يجب في أولها ، والآخرون يقولون : رد الفعل إلى الفعل أحق من رده إلى الترك ، وإنما قام التقليد مقام الذكر لقوله تعالى في سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢].
وجه الاستدلال أنه تعالى عقب ذكر الهدي والقلائد بالإحلال ، فدل أنه ينعقد به الإحرام ، وإلا لم يكن لتعقيبه بالإحلال فائدة ، والأخذ بما ذكر من هذه الآية خفي
ويستدل بحديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «أنه لما قد قميصه في المسجد قال : إني أمرت ببدني أن تقلد فلبست قميصي ونسيت».
__________________
(١) لم يعتبر بخلاف داود. (ح / ص).