قال الشوكاني في «فتح القدير» (١). وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها «المباحث الدرية في المسألة الحمارية». وفي هذه المسألة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. انتهى.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) الكلام فيه كما تقدم.
(غَيْرَ مُضَارٍّ) : أي يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ، كأن يقرّ بشيء ليس عليه أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة ، أو يوصي لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم يجزه الورثة. وهذا القيد أعني قوله :
(غَيْرَ مُضَارٍّ) ، راجع إلى الوصية والدين المذكورين ، فهو قيد لهما. فما صدر من الإقرارات بالديون ، أو الوصايا المنهي عنها له. أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء لا الثلث ولا دونه.
قال القرطبي : وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز (٢) انتهى.
وهذا القيد ، أعني عدم الضرار ، هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدّين.
قال أبو السعود في «تفسيره» : وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم.
(وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) : نصب على المصدر : أي يوصيكم بذلك وصية ؛ كقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) [النساء : ١١]. قال ابن عطية : ويصح أن يعمل فيها (مضار) والمعنى أن يقع الضرر بها ، أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فيكون وصية على هذا مفعولا بها لأن اسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال ، أو لكونه منفيا معنى. وقرأ الحسن (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) بالجرّ على إضافة اسم الفاعل إليها كقوله : يا سارق الليلة أهل الدار.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)) وفي كون هذه الوصية من الله سبحانه دليل على أنه قد وصّى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض ، وأن كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية الله ، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو
__________________
(١) فتح القدير [١ / ٤٣٥].
(٢) تفسير القرطبي [٥ / ٨٠].