والأرواح ، وأولى ما تسابقت في مضماره (١) خيول عقول الفحول للارتياح (٢) إنّما هو اقتباس الفضائل النفسانيّة ، واقتناص العلوم الإلهيّة الّتي هي الذّخيرة الأبديّة والسعادة السرمديّة ، وانّ للعلوم رياضا عامرة وحياضا غامرة وأفلاكا رفيعة وأسماكا منيفة ، وأقمارا طالعة ، وأنوارا ساطعة ، ولقد يسّر الله سبحانه وله الحمد والمجد في عنوان لبابي وعنفوان شبابي تسريح النظرة في معقولها ومنقولها ، وإمعان الفكر في فروعها وأصولها ، حتى وردت حياضها ، وأتيت رياضها ، فشربت من كلّ منهل منها جرعة بعد جرعة فما رويت وأخذت من كلّ بيدر (٣) حضنة بعد حضنة (٤) فما استغنيت.
فلمّا تفكّرت في ذلك ، وسرّحت النظر فيما هنالك ، رأيتها فاقدة اللبوب كالقشور ، ليس فيها نور ولا سرور ، فطفقت أجدّد النظر في المعارف الحقيقيّة والأسرار الربانيّة ، والعلوم اللدنيّة ، والفيوض القدسيّة وأسرار الدين ، وأنوار
__________________
الحسين (ع) ـ مجمع البحرين ص ٣١٤ ـ.
(١) المضمار بكسر الميم الموضع الذي تضمر فيه الخيل ويكون وقتا للأيّام التي تضمر فيها وتضمر الخيل أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلّا قوتا لتخفّ وذلك في مدة أربعين يوما ـ مجمع البحرين ص ٢٦٣ ـ.
(٢) الارتياح السرور والنشاط وأخذ الراحة والارتياح من الله الرحمة ومنه يا مرتاح ـ مجمع البحرين ص ١٧٠ ـ.
(٣) البيدر بفتح الباء والدال مجمع الطعام حيث يداس وفي الحديث قال ابن أبي العوجاء إلى كم تدوسون هذا البيدر يعني بذلك الكعبة المشرفة والطائفين بها استهزاء وشبههم بالحيوانات التي لا تعقل وتدوس بيدر الطعام ـ مجمع البحرين ص ٢٣١ ـ.
(٤) الحضن بكسر الحاء ما دون الإبط إلى الكشح ، وأعطاه حضنا من زرع أي قدر ما يحتمله في حضنه وهو مجاز كما في الأساس ـ تاج العروس في شرح القاموس ج ٩ ص ١٨٢ ـ.