بأسبابها وهم يروون في كتبهم على ما ستأتي الإشارة اليه أنّ رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وأنّ علم القرآن مخزون عنده وعند ذريته الطاهرين ـ صلّى الله عليهم أجمعين ـ ومع ذلك تريهم يتكلّمون على أهوائهم بغير علم (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ولذا لا ترى في تفاسيرهم شيئا من النور والسرور ، بل لو فتّشتها لوجدتها إمّا من الأهواء المبتدعة أو مقصورة على مجرّد القشور ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
قال مصنّف كتاب «كشف الظنون» وهو من أعاظم متأخّريهم بعد الاشارة إلى طريقة أسلافهم في التفسير من الاعتماد على قول الصحابة والتابعين ما لفظه :
ثم ألّف في التفسير طائفة من المتأخرين فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بتراء فدخل من هنا الدخيل ، والتبس الصحيح بالعليل ، ثم صار كل من سنح له قول يورده ومن خطر بباله شيء يعتمد عليه غير ملتفت إلى تحرير ، ما ورد عن السلف الصالح وهم القدوة في هذا الباب ، ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في شيء من العلوم وملئوا كتابهم بما غلب على طبعهم من الفنّ ، واقتصروا فيه على ما تمهّروا فيه كأنّ القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير ، مع أنّ فيه تبيان كل شيء ، فالنحوي تراه ليس له همّ إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه وإن كان بعيدة ، وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه ، وخلافيّاته كالزجّاج ، والواحدي في «البسيط» ، وأبو حيّان في «البحر والنهر» ، والأخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها والإخبار عمن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة ومنهم الثعلبي ، والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه ، جمعا وربما استطرد الى اقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلّق لها بالآية أصلا والجواب عن أدله المخالفين كالقرطبي ، وصاحب العلوم العقلية