الأشاعرة من القول بالمغايرة ، بل ربما يساعد المحكيّ من أدلتهم على هذا الجمع ، فإنّهم قد استدلّوا على المغايرة.
أوّلا بأنّ الله تعالى أمر الكافر بالايمان ولم يرده منه لاستحالة وقوعه منه ، لعلمه سبحانه بعدم صدوره منه ، فلو صدر لا نقلب علمه جهلا ومن البيّن استحالة إرادة المحال من العالم ، ولأنّ صدور الكفر من الكافر لا بدّ أن يستند إلى سبب ، وذلك السبب لا بدّ أن ينتهي إلى الواجب تعالى لاستحالة التسلسل وإيجاده تعالى لذلك السبب يستدعي إرادة وقوع الكفر منه لكون إرادة السبب مع العلم بسببيته إرادة المسبّب ، فيستحيل إرادة ضدّه حينئذ لاستحالة إرادة الضدين.
وثانيا قد ينسخ قبل حضور وقت العمل فلو كان مريدا للمأمور به لاجتمع الإرادة والكراهة في فعل واحد وهو محال.
واختلاف الزمان غير مجد لعدم تصوّره في حقه تعالى ، ولاتّحاد زمان الفعل واستحالة البدا عليه حقيقة بمعنى الظهور بعد الخفاء.
وثالثا بضرورة التفكيك بينهما إذ من البيّن تحقق الأمر دون الإرادة في الأوامر الامتحانية والعكس في قول الآمر أريد منك الفعل ولا آمرك به.
قلت : وهذه الوجوه كما ترى ظاهرة في المعنى الثاني من الارادة وهو القصد إلى تحقق الفعل في الخارج ، وتحقق الميل والمحبة اليه المقتضي لتحتم تحققه ، وأمّا الإرادة الانشائية الاقتضائية الإظهارية فهي متحققة في أمر الكافر وفي أمر من يعلم بعصيانه.
ولذا ورد أنّ لله تعالى إرادتين ومشيّتين إرادة حتم وإرادة عزم ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء أو ما رأيت أنّ الله تعالى نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ولو لم يشأ لم يأكلا ولو لم يأكلا لغلبت مشيّتهما مشية الله