شريك ، ولا معين ؛ فهي في الحقيقة فعله ، وله بها عليهم الحجة مصداق قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ). ومن المعلوم أنّ أفعال العباد لا بدّ فيها من توسط الجوارح مع أنّها منسوبة إليه تعالى ، وبذلك يعلم أنّ لصفاته تعالى في تجلياتها مظهرين : مظهر عبادي منسوب لعباده ، وهو الصور ، والجوارح الجثمانية. ومظهر حقيقي منسوب إليه ، وقد أجرى عليه أسماء المظاهر العبادية المنسوبة لعباده. على سبيل التقريب لأفهامهم ، والتأنيس لقلوبهم. ولقد نبه في كتابه تعالى على القسمين ، وأنّه منزّه عن الجوارح في الحالين ، فنبّه على الأول بقوله : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ). فهذا يفيد أن كل ما يظهر على أيدي العباد ، فهو منسوب إلى الله تعالى. ونبه على الثاني بقوله فيما أخبر عنه نبيه «صلىاللهعليهوآلهوسلم» في صحيح مسلم : «لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ؛ فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها».
وقد حقّق الله ذلك لنبيه بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ، وبقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
وبهذا يفهم ما جاء من الجوارح منسوبا إليه تعالى ، فلا يفهم من نسبتها إليه تشبيه ، ولا تجسيم ؛ ولكن الغرض من ذلك التقرب للأفهام ، والتأنيس للقلوب. والواجب سلوكه إنّما هو رد المتشابه إلى المحكم على القواعد اللّغوية ، وعلى مواضعات العرب ، وعلى ما كان يفهمه الصحابة ، والتابعون من الكتاب والسنة (١).
الشبهة الثالثة :
إنّ القول بالمتشابه يؤدي إلى التساؤل عن ماهية الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده البيان ، والهدى؟!!
__________________
(١) الزرقاني ـ مناهل العرفان ـ ج ٢ ـ ص ٢٩٨.