المحكم كالمتشابه من وجه ، ويخالفه من وجه ، فيتفقان في أن الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع ، وأنّه لا يختار القبيح.
ويختلفان في أنّ المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه الواحد ، فمن سمعه ، أمكنه أن يستدل به في الحال. والمتشابه يحتاج إلى فكرة ونظر ليحمله على الوجه المطابق ؛ ولأن المحكم أصل ، والعلم بالأصل أسبق ؛ ولأن المحكم يعلم مفصلا ، والمتشابه لا يعلم إلا مجملا.
وقد ردّ الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني على هذه الشبهة بقوله : ويمكن دفع هذه الشبهة بوجه أقرب : وهو أنّ المحكم له مزية على المتشابه ؛ لأنّه بنص القرآن هو أم الكتاب ؛ والاعتراض بأنّ هذا ينقض الأصل المجمع عليه ، وهو أنّ جميع كلامه سبحانه سواء ، وأنّه منزل بالحكمة : الاعتراض بهذا ساقط من أساسه ؛ لأنّ المساواة بين كلام الله إنّما في خصائص القرآن العامة : ككونه منزلا على النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» بالحق وبالحكمة ، وكونه متعبدا بتلاوته ، ومتحديا بأقصر سورة منه ، ومكتوبا في المصاحف ، ومنقولا بالتواتر ، ومحرما حمله ، ومسّه على الجنب ، ونحو ذلك. والمساواة في هذه الخصائص لا تنافي ذلك الامتياز الذي امتازت به المحكمات. وكيف يتصور التنافي على حين أن كلا من المحكم والمتشابه له حكمه ، وله مزاياه؟! فمزية المحكم أنّه أمّ الكتاب إليه ترد المتشابهات ، ومزية المتشابه أنّه محك الاختبار ، والابتلاء ، ومجال التسابق والاجتهاد ، إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى.
ثم كيف يتصور هذا التنافي ، والقرآن كلّه مختلف باختلاف موضوعاته وأحواله ، فمنه : عقائد ، وأحكام ، وأوامر ، ونواهي ، وعبادات ، وقصص ، وتنبؤات ، ووعد ، ووعيد ، وناسخ ، ومنسوخ. ولا ريب أنّ كلّ نوع من هذه الأنواع له مزيته ، أو خاصته التي غاير بها الآخر ، وإن اشترك الجميع بعد ذلك في أنّها كلّها أجزاء للقرآن ، متساوية في القرآنية ، وخصائصها العامة.
وخلاصة الجواب : «أن امتياز المحكم على المتشابه في أمور ،