الدعاء حرام شرعا ، وأيّا كان هذا المستحيل ترجمة ، أو غير ترجمة ؛ لأنّه ضرب من العبث ، ونوع من اللهو الممقوت ، وهلاك للنفس أي هلاك ، والله تعالى يقول : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) سورة البقرة آية ١٩٥. وطلب المستحيل هو في حد ذاته غفلة ، وجهل بسنن الله الكونية ، وبحكمته في ربط الأسباب بمسبباتها العادية ؛ تطمينا لخلقه ، ورحمة بعباده. ومن ثمّ فإنّ ترجمة القرآن حرفيا هو ضرب من الجهل ، والعبث لا عذر لفاعله ، والله تعالى أخبر أن ذلك مستحيل على الجن ، والإنس جميعا ، فهو يقول : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) سورة الإسراء آية ٨٨. والله تعالى أنذر بعد أن أخبر بالعذاب بالنّار لمن افترى ، وادعى الترجمة الحرفية للقرآن ، أو أنّها قرآن ، يقول : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) سورة البقرة آية ٢٤. وتتأصل حرمة الترجمة الحرفية للقرآن الكريم وضوحا في مخالفة ، وتكذيب القرآن ذاته ، فادعاء الإتيان بمثل للقرآن فيه للآية السابقة ، ولقوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) سورة يونس آية ١٥.
ففي الآية السابقة أمر إلهي للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» بأن ينفي قدرته على تبديل هذا القرآن. وهو أمر إلهي لكل إنسان ألّا يحاول تبديل هذا القرآن بترجمة أو غير ترجمة ؛ لأنّ ذلك هوى شيطاني ، وعصيان للرّب ، فهو حرام ، وعاقبته العذاب العظيم.
ونزيد الأمر وضوحا بالقول : بأنّه إذا كان النص القرآني ينفي عن الرسول قدرته على تبديل القرآن ، والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» حبيب الرحمن ، وعليه أنزل القرآن ، وهو أعلم الناس بأسراره ، ولغته ، وهو أفصح العرب لسانا ، وأعلمهم بمعاني القرآن ، ومقاصده ، نقول : فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فما بالك بالنسبة لتجار اللّغات من البشر ، وهم أقل