الجاهلية ، وهم أهل الحمية ، والأنفة ، وإباء الضيم. أو ليس فيها ، وقد نعى عليهم جهلهم ، وشركهم بواعث تحرك هممهم ، فيتحركوا ، ويعارضوا ، ويحاولوا أن يأتوا بمثل ما تحدّاهم به. ولكن هل فعلوا ، وهل استطاعوا ، وأسباب المعارضة موفورة قائمة؟!! لا ، ولن حتى ولو تذرعوا بعدم توافرها ، فهم كاذبون.
ثانيا : أما بالنسبة للأمر الثاني : وهو حجة تعطل مواهبهم ، فالواقع التاريخي ، وأخبار التواتر ، أنّهم ، وحين تحداهم القرآن كانوا متمتعين بمواهبهم البيانية ، وقدراتهم البلاغية ، وعنفوان أدبياتهم ؛ ولم يعرض لهم عارض ، ولم يفاجئهم حابس حبس مواهبهم ، أو سلب قدراتهم ، أو طمس على بيانهم. وبالأدلة التاريخية ، والعقلانية السليمة ، والبراهين المنطقية أنّهم كانوا على ما هم عليه من قدرة في التفكير ، وسلامة في التعبير ، وسلاطة في المجادلة ، وبلاغة في المخاطبة ؛ ولكنهم عند ما خوطبوا بالقرآن ، اقتنعوا بعجزهم ، وقعدوا عن تحدياتهم ، ويئسوا من معارضاتهم ؛ وهم لم يمنعهم مانع من ترهاتهم في المعارضة ، والتحدي ، اللهم إلّا العجز ، فقالوا ، وادعوا أن عارضا ألمّ بهم ، وأفقدهم بلاغتهم ، وإن هم إلّا يخرصون. فهم لم يتركوا وسيلة إلّا استخدموها ؛ وهم لم يتركوا بابا إلّا سلكوه ؛ وهم لم يتركوا منهجا إلّا اتّبعوه ، ولا ذريعة إلّا تذرعوا بها ؛ ليردوه عن دينه ، ويسلبوا منه قرآنه ، ويعطلوا دليله. فهم ساوموه بالمال ، وهم ساوموه بالملك ؛ وهم ساوموه بالعزة الدنيوية ؛ وهم ساوموه بالسلطان ، وحبسوا عنه الزاد ، والطعام ، فقاطعوه ، وعشيرته في شعب بني هاشم. حيث تحالفت قريش ، وكنانة على مقاطعة بني هاشم وعبد المطلب بألّا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كما روى الشيخان عن الزهري. وحيث يرويان أيضا أن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قال بشأن هذا التحالف في غزوة الفتح ، وفي حجة الوداع : «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر». فأي عارض هذا الذي عطل مواهبهم ، وسلبهم قدراتهم في التحدي ، وهم الذين ساوموا رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» حتى في عقيدته ، حيث روى ابن مردويه