مناهل مورودة ، ومسالك معبّدة ، تؤخذ بالتعلم ؛ وتراض الألسنة ، والأقلام عليها بالمرانة ، كسائر الصناعات.
فما الذي منع النّاس أن يخضعوا أسلوب القرآن لألسنتهم ، وأقلامهم وهم شرع في استحسان طريقته ، وأكثرهم الطالبون لإبطال حجته؟!
ما ذاك إلّا أنّ فيه منعة طبيعية كفّت ، ولا تزال تكفّ أيديهم عنه ؛ ولا ريب أن أوّل ما تلاقيك هذه المناعة فيما صوّرناه لك من غريب تأليفه في بنيته ، وما اتخذه في رصف حروفه ، وكلماته ، وجمله ، وآياته ، من نظام له سمت وحده ، وطابع خاص به ، خرج فيه عن هيئة كل نظم تعاطاه الناس ، أو يتعاطونه. فلا جرم لم يجدوا له مثالا يحاذونه به ، ولا سبيلا يسلكونه إلى تذليل منهجه. وآية ذلك أن أحدا لو حاول أن يدخل عليه شيئا من كلام النّاس ، من السابقين منهم أو اللاحقين ، من الحكماء أو البلغاء ، لأفسد بذلك مزاجه ، ولجعل نظامه يضطرب في أذن كل سامع».
الشبهة الخامسة :
إنّ القرآن في أسلوبه من تأليف محمد. فهو غير معجز. بدليل أنّ محمدا كان إنسانا غير عادي ، نبيها بين قومه ، فذا بين أقرانه ، فردا كاملا بين ما جاء به قومه. آنس في نفسه اقتدارا في البيان ، فجاء بالقرآن ، ونسبه إلى ربه ، ليغطيه بمسحة قدسية تجعله أكثر قبولا ، وأجل احتراما عند قومه.
ويزعم أصحاب هذه الشبهة أنّ محمدا أسعفه في ذلك هواجس مرضية توحي له الشعور بالعظمة ؛ وعوارض نفسانية تجعله يصدق ما ينسبه إلى نفسه ، ويدعو غيره لتصديقه.
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : لقد ثبت بالدليل القاطع ، والثابت المتواتر أنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم»