الكبير والبون الشاسع بين أسلوب القرآن ، وأسلوب الحديث النبوي. والقناعة واردة بالنسبة لجمع الأدباء ، والبلغاء ، في جميع الدول ، وعند جميع الأمم ، أن الأسلوب القرآني خارج عن الطاقة البشرية حتى ولو كانت نبوية ؛ وخارق لجميع مستويات الأساليب البيانية ، والبلاغية في حقول المخاطبة ، وميادين التلقين. ويسعفنا في هذا المقام القول : بأنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كان معروفا في قومه ، ويعلمون قدراته البيانية ، والكلامية ، ولم يعرفوه قارئا أو كاتبا أو خطيبا. وكذلك يعلمون أخلاقه ، وفضائله ، فلم يعرفوه كاذبا ، أو منافقا ، أو متحذلقا ، أو متفلسفا ، أو متشدقا ، أو متنطعا ، أو خائنا ، أو مدعيا. فرجل هذه صفاته ، فكيف تتسع الأذهان لادعاء أنّه كذب على الله ، وكذب على نفسه ، وكذب على أصحابه ؛ وجاء بشيء خارق موجود عندهم هو لغتهم أفحمهم به أولا ، ونسبه إلى الله ثانيا؟!! أليس من تناقضهم الادعاء بالنسبة للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : بالصدق ، والكذب ، والأمية ، والعبقرية ، والبلاهة ، والبيان في وقت واحد؟؟! ألا حاشا أن يكون كذلك ؛ وهو الصادق الصدوق. والظالم من افترى على الله ورسوله الكذب ، قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) سورة الأنعام آية ٩٣.
ثالثا : لو كان القرآن من تأليف محمد «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، لما نسبه إلى غيره حتى ولو كان إلها. أو لادعى الألوهية ، لأنّ في هذا يكون أكثر قدسية له.
ولعلّ شبهتهم تأتي من القول : بأنّ الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كان له ضربان من الكلام.
أما الأوّل : فكان يهتم به ، وينمّقه ، ويتفنن في انتقاء مفرداته ، ويأتي به على تروّ. وهذا سمّاه قرآنا ، ونسبه إلى الله تعالى. أمّا الثاني فلم يكن يهذبه ، أو ينمقه ، ولم يكن يعتني بمفرداته ، وأساليبه ؛ وإنّما كان يرسله إرسالا ، ودون ترو ، وسمّاه حديثا. ولكي يرد كيدهم إلى