نحورهم ، ويفتضح كذبهم ، ويفرق بينهم ، وبين ما يشتهون ، فإنّنا نؤكد : بأنّ القرآن الكريم منه ما نزل بعد تروّ. وتشوف ، وتمهل ، وطول انتظار ، وهو أقله. ومنه ما نزل مفاجأة ، وعلى غير انتظار وتفكير ، ودون تلبث ، وتدبير ، وهو أكثره.
أ ـ ومثال ما نزل من القرآن بعد تروّ ، وعلى تمهل ، وطول انتظار :
١ ـ سورة الكهف. فقد أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال : «بعثت قريش النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله ؛ فإنّهم أهل الكتاب الأوّل ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى أتيا المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله ، فقالوا لهم : سلوه ثلاثا ، فإن أخبركم بهن ، فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل ، فالرجل متقوّل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ، ما كان أمرهم؟! فإنّه كان لهم أمر عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ، ومغاربها ، ما كان نبؤه؟! وسلوه عن الرّوح ، ما هو؟! فأقبلا حتى قدما على قريش فقالا : قد جئنا بفصل ما بينكم ، وبين محمد. فجاءوا رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، فسألوه ، فقال : أخبركم غدا بما سألتم عنه ، ولم يستثن ، فانصروا. ومكث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك إليه وحيا ، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة ، وحتى أحزن رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة. ثمّ جاءه جبريل من الله بسورة الكهف ، فيها معاتبته إيّاه على حزنه عليهم. وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطّواف».
وقيل إن هذه السورة نزلت بعد خمس عشرة ليلة ، بعد سؤالهم للرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وقيل أربعين يوما. ٢ ـ آيات قصة الإفك في سورة النور ١١ ـ ٢٠. من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا