قبوله لأعذار المنافقين ، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك ، مصداق قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) سورة التوبة آية ٤٣. فمن خلل الرأي ، وفساد العزيمة ، ونقص الادعاء أن يعتب مدع ، أو صاحب فرية على نفسه ، وبقوله الذي يدعيه. ولو صحت دعوى نسبة القرآن لنفسه ، لما عاتب نفسه ، ولما خطأ رأيه ؛ لأنّ هذا من قبيل التناقض الذي يتحاشاه أصحاب الافتراءات ، والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كان أحوج إلى ادعاء الصحة في أقواله وتصرفاته ؛ جذبا للناس حوله ، ولاعتناق قرآنه ، وليس تنفيرهم ، وليس بأن يناقض نفسه ، وأن يعيب كتابه. إذن فلو كان القرآن من عنده لما كانت هناك ضرورات لأن يعاتب نفسه أكثر من مرة. وأيضا هذا عتاب الله له في قبوله الفداء من أسرى بدر ، مصداق قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) سورة الأنفال آية ٦٧ ـ ٦٨. فمن شطحات الأفكار ، وتجنب الصواب أن يعتب صاحب فرية على نفسه في تصرف سلكه ، أو في رأي أبداه ، أو في حكم قرره ، وأن يخطئ نفسه ، وينذرها بالعذاب العظيم ، ومن غيره. وأيضا هذا عتاب الله له في تولّيه عن أعمى هو عبد الله بن أم مكتوم جاءه يسأله عن دينه ، فتولّى عنه اهتماما بأكابر من قريش كان يرجو أن يهديهم الله إلى الإسلام ، وهم له كارهون ، مصداق قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) سورة عبس آية ١ ـ ١١.
الشبهة الثانية :
إن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أخذ ، وتعلم القرآن من أناس من البشر. فمرة ينسبون علم الرسول القرآني إلى راهب نصراني هو بحيرا ، ومرة إلى غلام رومي يعمل قينا في مكة ، ومرة إلى ناسك مكي هو ورقة بن نوفل.