تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) سورة يونس آية ٣٧ وقد جاءت ذروة الرد الإلهي بالنفي القاطع لقدرة الإنس ، والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن حتى ولو اجتمعوا له. قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) سورة الإسراء آية ٨٨.
ولما أسقط في أيديهم ، وأيقنوا أن لا قبل لهم بتأييد مزاعمهم ، وهم يعلمون أكثر من غيرهم بأنّ محمدا «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ليس بشاعر أو مجنون ، أو ساحر ، أو كاهن عمدوا إلى افتراء الوحي من خارج النفس المحمدية. وقد تناسوا أنّهم في الرهان خاسرون ، وأمام التحدي الإلهي فاشلون ، ومع ذلك أصروا ، وعاندوا ـ والكفر عناد ـ فادعى بعضهم ، وشاركه البعض النبوة ، وادعى أنّه يوحى إليه ، وعند ما حاول تأكيد افترائه ، وتقليد القرآن ، جاءت عباراته ـ وهم أفصح العرب ـ على غير فصاحة ، وعلى كل سخافة وتفاهة ، وعلى كل ركاكة ، وإسفاف ، فكان قرآنهم حجة على تفاهتهم ، وبرهانا على سقط متاعهم ، وفشل ادعاءاتهم.
أمثلة على بعض المتقوّلين على القرآن :
أولا : مسيلمة بن حبيب الكذاب : تنبأ باليمامة في بني حنيفة ، وتقع شرق مدينة الرياض حاليا ، وقد وفد على الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وأعلن إسلامه ، وكان أليفا مع الناس ، ويجاهر بقبحه ، وعند ما عاد إلى اليمامة كتب إلى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» سنة ١٠ للهجرة : أمّا بعد ، فإني شوركت في الأرض معك وإنّما لنا نصف الأرض ، ولقريش نصفها ، لكن قريشا قوم يعتدون (١). وكان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قد أرسل أحد المسلمين ، وهو «نهار الرّجال» ـ وكان فقيها وقارئا للقرآن ـ إلى مسيلمة ليرده عن فتنته ، فارتد هو الآخر عن
__________________
(١) مصطفى صادق الرافعي : كتاب : إعجاز القرآن ـ ص ١٧٥.