المسجد النبوي ، فأطلق عليهم : «أهل الصّفّة». ومما روي في كتب التاريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام ، الذين عاشوا على «الصفة» بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : «رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ، فإذا ركع أحدهم قبض عليه ، مخافة أن تبدو عورته».
وعنه «أبي هريرة» رضي الله عنه أنه قال : «لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها ، فيقول الناس : إنه مجنون ، وما بي جنون ، ما بي إلّا الجوع!».
وفي هذه الحالة البائسة ، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم ، مكشوفين في عراء المدينة المنورة ، خائفين ، يترقبون الأعداء من كل جانب ، مخافة أن يتخطفوهم في أي وقت ، في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخرى :
(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) سورة المجادلة آية ٢١.
وقال أيضا :
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة الصف آية ٨ ـ ٩.
ولم تمض على هذه البشرى أيام طويلة ، حتى وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم ، فقد انتصرت أقلية ضئيلة لا تملك الخيول ، ولا الأسلحة ، على أعداء يملكون الجيوش الكبيرة ، والعدة ، والعتاد.
وليس بوسعنا تفسير هذا التنبؤات في ضوء المصطلحات المادية ، إلا أن نسلم بأن صاحب هذا الإخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه ، وإنما كان خليفة عن الله ، فلو أنه كان إنسانا عاديا لاستحال كل