فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية ـ وهي «مكة» المكرمة ـ مشكلة مماثلة : كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار ، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح ، وبالوحي ، وبالرسالة ، وبالله تعالى. وكان المسلمون مع الروم ـ نفسيا ـ يرجون غلبهم على الكفار ، والمشركين ، كما كان كفار مكة مع الفرس ؛ لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس ، والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في «مكة». وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس على الروم عام ٦١٦ م ، واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم ، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين ، قائلين : لقد غلب إخواننا على إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم ، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد!! وكان المسلمون بمكة في أضعف ، وأسوأ أحوالهم المادية ، وفي تلك الحالة البائسة ، صدرت كلمات من لسان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» :
بسم الله الرحمن الرحيم : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الروم : ١ ـ ٦.
وتعليقا على هذه النبوءة يكتب «جبن» :
«في ذلك الوقت ، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا ؛ لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة «هرقل» كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية» (١).
ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن
__________________
(١) ص ـ ٧٤ المجلد ٥.