وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة ، ولذلك أعد بحريته للإغارة على الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلى «إرمينيا» ، وشن على الفرس هجوما مفاجئا في نفس الميدان الذي هزم فيه الإسكندر جيوش الفرس ؛ لما زحف على أراضي مصر والشام. ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة ، فلاذوا بالفرار.
وكان الفرس يملكون جيشا كبيرا في «آسيا الصغرى» ، ولكن «هرقل» فاجأهم بأساطيله مرة أخرى ، وأنزل بهم هزيمة فادحة ، بعد إحراز هذا النصر الكبير عاد «هرقل» إلى عاصمته «القسطنطينية» عن طريق البحر ، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars) ، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما شن هرقل ثلاث حروب أخرى ضد الفرس في سنوات ٦٢٣ ، ٦٢٤ ، ٦٢٥ م. واستطاع أن ينفذ إلى أراضي العراق القديم (ميسوبوتانيا) عن طريق البحر الأسود ، واضطر الفرس إلى الانسحاب من جميع الأراضي الرومية ، نتيجة هذه الحروب ، وأصبح «هرقل» في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية ، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية ـ تلك الحرب التي خاضها الفريقان في «نينوى» على ضفاف «دجلة» في ديسمبر عام ٦٢٧ م.
* * *
ولما لم يستطع «كسرى أبرويز» مقاومة سيل الروم ، حاول الفرار من قصره الحبيب «دستكرد» ، ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية ، واعتقله ابنه «شيرويه» ، وزجّ به في سجن داخل القصر الملكي ، حيث لقي حتفه ، لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله ، وقد قتل ابنه «شيرويه» ثماني عشرة من أبناء أبيه (كسرى) أمام عينيه.
ولكن «شيرويه» هو الآخر لم يستطع أن يجلس على العرش أكثر من ثمانية أشهر ، حيث قتله أحد أشقائه ، وهكذا بدأ القتال داخل البيت