يؤمنوا أو يقلعوا عن شبهاتهم ، وافتراءاتهم؟!! وخير مؤنس لنا في هذا المقام قول ربنا فيهم : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة البقرة آية ٧٥.
خامسا : إن القرآن الكريم كتاب سماوي منهجي : بينما الكتب السماوية الأخرى غير منهجية ، فضلا عن أنها حرفت وغدت كتبا بشرية وضعية ، فلا يجوز أن يقارن القرآن بها. فما يصلح أن يقال فيها لا يصلح أن يقال بالنسبة للقرآن الكريم. ولذلك فإن سمحت شواهدها ، ومعالمها اللامنهجية فصلها عن الحياة فلا غبار على ذلك ؛ فهي أصلا كتب مواعظ ، وعبر ، وليست كتبا منهجية ؛ ولم تنزل لمعالجة شئون حياة الأفراد ، والدول ، وكذلك ما جاءت به من عقائد جاء مجملا ؛ وخلت من تفاصيل التشريع المتعلقة بالأحكام التي تعالج أمور الدين ، والدنيا ، فضلا عن أنّها لم تعد سماوية. ولذلك يناسبها الفصل عن الحياة ، والدنيا. وهذا كله على عكس القرآن الكريم ؛ فهو كتاب سماوي منهجي ، وسيبقى كذلك ، وإلى قيام الساعة يعالج أمور الدين ، والدنيا معا. وقد جاء للبشرية بمناهج التشريع ، والعقائد كاملة ، ومفصلة ؛ وقد أرسى قواعد المنهجية الحقيقة في المعالجة لمشاكل الحياة والأفراد ، والدول. فقد أرسى قواعد وأصول المنهج السياسي ، والمنهج الاقتصادي ، والمنهج الاجتماعي ؛ وفي نفس الوقت أرسى قواعد ، وأصول النظام الدستوري ، والإداري ، والمالي ، وكذلك أسس ، ومعالم القانون الجنائي ، «أي الجزائي» ، والدولي. فهو لم يترك شأنا من شئون الدين ، والدنيا إلّا عالجها ؛ ولكن بشيء من الإيجاز ، وفي شكل قواعد كلية ، ومبادئ شرعية عامة تستند إلى النصوص ، أو الاجتهاد ؛ وبالتالي فإن معالمه المنهجية في الكمال والشمولية ، والفعالية في المعالجة لجميع الأمور لا تسمح أبدا بالقول بفصله عن الدنيا ، أو عن الحياة ، أو الدين الذي جاء به عن شئون الأفراد الحياتية ، والدنيوية.