ويصدق على هذا قول ربنا في كتاب ربنا : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) سورة النحل آية ٨٩.
قال عبد الله بن مسعود : «قد بين لنا في هذا القرآن كل علم ، وكل شيء» (١). وأيضا قول ربنا : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل آية ٤٤.
ولنا القول : بأن ما تفيده الآيتان ، وغيرهما أن الله تعالى لم ينزل قرآنه على الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» إلا ليبين ، وليفصّل لهم أحكام حياتهم ، وشئونهم الحياتية الدينية ، والدنيوية دون استثناء ؛ وضمن معايير الحلال ، والحرام حتى تستقيم حياتهم ؛ وحتى لا تكون لهم بعد ذلك على الله حجة. ومثل هذه المعاني تتنافى كلية مع القول : بأنّ القرآن يجب فصله عن الدنيا ، أو فصل الدين عن الحياة.
فالقرآن الكريم سام ، وكامل في تنظيمه لحياة الأفراد سواء فيما يتعلق بحياتهم الخاصة ، أو علاقاتهم فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الدولة ؛ وكذلك فيما بينهم ، وبين ربهم. وقد أورد صاحب العقيدة الطحاوية أن لله تعالى تعاليم ، ووصايا أوحى بها إلى رسله ، وأنبيائه. منها ما دوّن في الكتب ، ومنها ما لا علم لنا به. فلكل رسول رسالة بلغها قومه كما قال سبحانه : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) سورة البقرة آية ٢١٣. وقال جلّ جلاله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) سورة آل عمران آية ١٨٤.
والكتب المدونة هي : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وصحف إبراهيم ، وصحف موسى ، والقرآن الكريم. وما أثبته المفسرون أنّه
__________________
(١) د. محمد علي الصابوني ـ مختصر ابن كثير ـ ج ٢ ـ ص ٣٤٣.