ـ وباستثناء القرآن الكريم ـ فإن الكتب السماوية الأخرى كانت جميعها عبرا ، وأمثالا ، ووصايا ، وأخلاقا ، ولم تكن كتبا منهجية تعالج شئون الحياة. أخرج ابن حبان في صحيحه ، واللفظ له ، والحاكم ، وقال صحيح الإسناد عن أبي ذر «رضي الله عنه» قال : «قلت يا رسول الله ، ما كانت صحف إبراهيم؟! قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط ، المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ، وإن كانت من كافر. وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات : فساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله «عزوجل» ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم ، والمشرب. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو لمعاش ، أو لذة في غير محرم.
وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه. ومن حسب كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه. قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى؟ قال : كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب. عجبت لمن رأى الدنيا ، وتقلبها ثم أيقن إليها. عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ، ثم هو لا يعمل» (١).
ويقول دكتور يوسف شويحات : «إني أعتقد أن النصرانية كانت ترتكز تعاليمها على الأخلاق أكثر مما كانت تهتم بالشعائر الدينية ؛ ولذلك اعتنقتها الشعوب البربرية ، فهذبت أخلاقها. ولكن بولس الرسول الفيلسوف اليهودي أدخل على النصرانية الفلسفة اليونانية ، والمفاهيم اليهودية. كما أدخل عليها البيزنطيون التعاليم الزرادشتية. فالمسيحية ديانة
__________________
(١) عبد الحميد السائح : عقيدة المسلم وما يتصل بها ـ ص ٢٣٦ والسيد سابق. العقائد الإسلامية ص : ١٦٠ ـ ١٦١.