الإنسانية حكما ، ومعالجة ، وتنظيما ، وعلى جميع المستويات ، والشئون سواء بالنسبة للأفراد ، أو الأسر ، أو المجتمعات ، أو الدول ؛ وبحيث أثبتت الدلائل النقلية ، والعلمية ، والتاريخية ، والتطبيقية العملية أنّه لا غنى للبشرية أبدا عن هذا الكتاب الرباني ؛ ولحل مشاكلهم ، وتنظيم حياتهم ، وإدارة شئونهم. فكيف ، وبعد ثبوت مثل هذه الحقائق ثبوت جبل أحد أن يزعم ، أو أن يقال بوجوب فصله عن الحياة ، أو عن الدنيا ، أو عن شئون الأفراد؟!! إنّه لعمر الله ، الكفر ، والعناد ، والجهل ، والضلال!!!
ولنا القول أيضا : فعند ما يقول الله تعالى في قرآنه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) سورة الذاريات آية ٢٠. فهو يشير كما يقول ابن كثير : إلى الآيات الدالة على عظمة خالقها ، وقدرته الباهرة. سواء أكانت هذه الآيات تتعلق بالنبات ، أو الماء ، أو الحيوان ، أو الإنسان ، أو جميع بدائع خلقه. فمما لا شك فيه أن دلائل هذه العظمة لا تصدق ، ولا تتحقق إلّا بتحقق تناسق شواهد الخلق ، فلا ترى فيها عوجا ، ولا أمتا ، ولا فطورا ، ولا تناقضا. فإن حقائق القرآن لا تنتابها شواهد الزيغ ، أو الاعوجاج ، أو التناقض ، أو التفاوت ، أو الفطور ، قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) سورة الملك آية ٣.
فكلام الله عن السماوات يصدق حقيقة خلقها ، وبأنها متطابقة بعضها فوق بعض. وكذلك يصدق حقيقة تناسقها ، وبديع صنعها ؛ فلا يمكن أن يرى فيها ، أو في خلق الله كله أي نقص ، أو خلل ، أو اختلاف ، أو تنافر ، بل هي غاية في الأحكام ، والاتقان. وإنما قال : (فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ) ، ولم يقل : فيهن ؛ تعظيما لخلقهن ، وتنبيها على قدرة الله ، وتأكيدا على هذه القدرة الإلهية. قال تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) سورة الملك آية ٤.
قال الإمام فخر الدين الرازي : «المعنى : أنك إذا كررت نظرك ، لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجود الخلل والعيب ، بل رجع خاسئا