يتم الواجب إلّا به ، فهو واجب. ومن هنا ، ومن أجل إقامة شعائر الدين ، أوجب الدين إقامة الدولة ، والسلطة ، وأوجب الإسلام وجود السلطان ، والحاكم.
فالقرآن الكريم لم يفرض على المسلمين إقامة الدولة الإسلامية كواجب ديني ، ولكن فرض عليهم من الواجبات الدينية ما يستحيل القيام به والوفاء بحقوقه إذا هم لم يقيموا دولة الإسلام. بل وألزمهم بالنسبة لذلك إطاعة الحاكم ، والسلطان ، وتنفيد أوامر الدولة. مصداق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) سورة النساء آية ٥٩.
وبالمقابل أوجب على الحاكم ، والسلطان القيام بأمانة أداء الواجبات الموكولة إليه ، وفي ما يتعلق بأمور الدين ، والدنيا معا .. مصداق قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) سورة النساء آية ٥٨.
وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «فوجود «ولاة للأمر» يجب عليهم أداء الأمانات إلى المحكومين ... ووجود رعية تجب عليها طاعة «ولاة الأمر» هؤلاء ، هي فرائض دينية لا سبيل إلى الوفاء بها إذا غابت الدولة من عالم المسلمين ، والإسلام .. وهذه الدولة ليست مطلق دولة من حيث النهج الذي تلتزمه ، والشرع الذي تحتكم إليه ، وإنما هي «الدولة الإسلامية» ، لأنّها هي وحدها الكافلة لإقامة الواجبات الشرعية الإسلامية التي لا تقوم ، ولا تقام إلّا بهذه الأداة ... وهكذا نجد أن «الدولة» ـ رغم أنّها ليست فريضة قرآنية ، ولا ركنا من أركان الدين ـ إلّا أنّه لا سبيل في حال غيابها إلى الوفاء بكل الفرائض القرآنية الاجتماعية ، والواجبات الإسلامية الكفائية التي يقع الإثم بتخلفها على الأمة جمعاء ، والتي كانت ـ لذلك ـ آكد من فروض الأعيان .. فوجوب «الدولة» إسلاميا راجع إلى أنّها مما لا سبيل إلى أداء الواجب الديني إلّا به ..