ثانيا : فبالنسبة لأخبار الأمم ، وقصص الأنبياء مع أقوامهم ، فإن ما جاء به القرآن فوق طاقة العقل البشري ، ومهما أوتي من ذكاء ، أو فطنة ، أو فراسة ؛ مما يثبت أن تلك الأخبار ، والقصص إنما وردت ، وبكل يقين للنبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» عن طريق التلقي ، والتلقين ، والإيحاء ممن يعلم الغيب. وهذا مصداق قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) سورة هود آية ٤٩.
وقد ربط الله تعالى بين التنزيل القرآني ، وسرد القصص على مسامع النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» مصداق قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) سورة يوسف آية ٣.
وقد تناول القرآن قصص الأنبياء ، والرسل ، وأخبار الماضين بتفصيل لحقائقها ، وتبيين لوقائعها بشكل واضح تعجز عنه العقول ، والتنبؤات ، وبشكل يخرس الألسنة ، ويسكت الأقلام ، ويفند الافتراءات ؛ فالقرآن يضرب في أغوار التواريخ ، ويخبر عن أقدم الأخبار في خلق الأمم مما يتجاوز حدود إعمال الفكر بحيث يستحيل على النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أو غيره أن يعرفها ، أو يطلع على أخبارها. والقرآن نفى ذلك عن الرسول «ص».
فهذه آيات قرآنية تفصل أحوال موسى ، وفي أخباره مع أهل مدين. قال تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) سورة القصص آية ٤٤ ـ ٤٥.
وهذه آيات قرآنية تخبر عن كفالة زكريا لمريم ، وولادة المسيح منها كلمة من الله تعالى. قال تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ