معالم الإنسانية لكل القيم ، والمثل الإنسانية ، لكل فضائل الاستقامة والإتقان ، والإخلاص ؛ والمبنية كلها على معالم ، وأسس العقيدة الإسلامية ، وسمو ثقاتها ، وعمق عدالتها ، واتساع شمولها لجميع شئون الحياة ؛ حياة الأفراد ، والدول ؛ ومع كل تناسق ، وتوازن في إعطاء الحلول ؛ ومع كل تكامل ، وتعامل يتوازن مع نظرتها الإنسانية ، وعدالة قيمها ، ومثلها ، وإلى درجة أنّه تستحيل الحياة بدون تلك القيم ، وتتعقد الحياة بدون تلك العدالة.
وإذا كانت العدالة تعني وضع الأمور في نصابها ، وفي أماكنها الصحيحة ، وإذا كانت تعني وضع الحق في نصابه ، أو الحكم بالحق ، فهذا عام للمسلمين حكاما ، ومحكومين مصداق قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) سورة النحل آية ٩٠.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) سورة المائدة آية ٨. قال الزمخشري : «وفي هذا تنبيه عظيم على أن العدل كان واجبا مع الكفار الذين هم أعداء الله ؛ وكان بهذه الصفة من القوة ، فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه ، وأحباؤه» (١). وإذا كانت التقوى أهم بواعث إقامة العدل ، فهذا يجب تحقيقه من قبل الدولة ، والأفراد ، وإذا كان الحق أحق أن يتبع فهذا واجب تحقيقه في جميع الأوضاع ، وسائر النشاطات ، وكل العلاقات ، سواء المتعلقة بالدين أو الدنيا. فكيف إذن يستقيم الفصل بين الدين والدنيا ، أو بين الدولة في سياستها ، والعمل بالدين في حكمها.
فالواجب يقتضي من الدولة إقامة العدالة في حكمها ، وبالنسبة لسائر محكوميها ، وبالنسبة لجميع نشاطاتها لا فرق بين نشاط ديني ، أو
__________________
(١) الزمخشري : الكشاف ـ ج ١ ص ٤٧٦.