التركية ـ المملوكية ـ بديار مصر ، والشام يرون أن الأحكام على قسمين : حكم الشرع ، وحكم السياسة.
فالشريعة هي : ما شرع الله تعالى من الدين ، وأمر به : كالصلاة ، والحج ، وسائر أنواع البر. والسياسة هي : القانون الموضوع لرعاية الآداب ، والمصالح ، وانتظام الأحوال. والسياسة نوعان : سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر ؛ فهي من الأحكام الشرعية. وسياسة ظالمة ، فالشريعة تحرمها» (١).
فإن أمر صلاح الدين بأحكام الشرع ، وأمر صلاح السياسة بأحكام وقوانين رعاية الآداب ، والمصالح وانتظام الأحوال ، كله يقع ضمن دائرة مراعاة الأحكام الخاضع تنفيذها للدولة المطبقة لأحكام الشريعة الإسلامية. فلا فصل في المراعاة المنوطة بالدولة بين ما هو ديني شرعي ، وبين ما هو قانوني سياسي. وكلاهما تهيمن عليه الشريعة الإسلامية.
فالدعوة العلمانية اليوم إلى الفصل بين الدين ، والسياسة ، أو بين أحكام الشرع ، وأحكام القانون هي دعوة باطلة ؛ وشاهدها التقليد الأعمى لحضارات الكفر ، وواقع النظم السائدة في مجتمعات الاشتراكية والرأسمالية. فإن استبداد الكنيسة ، وتجاوزات تدخلها في شئون الأفراد ، والمجتمعات المادية ، والفكرية استدعى إبعادها عن الحياة السياسية ، وحصر نشاطها في الأمور الروحية. فإن كون المسيحية ظالمة ، وغير منهجية ، وروحية كهنوتية جاز فصلها عن السياسة ، وإبعادها عن الدولة. وبذلك فإن فصل الدين عن السياسة أو عن الدولة أمر له ما يبرره. فضلا عن أن المسيحية ليست شريعة دنيا أو سياسة. ومن هنا جاء خطأ العلمانيين في التقليد ، والاتباع ، والقياس. فالإسلام دين منهجي يعالج الشئون الروحية ، والزمنية ، وشامل في عدالته لأمور الحياة ، وجميع الأحكام شرعية دينية ، وسياسة قانونية. فالهيمنة في إدارة جميع شئون
__________________
(١) المقريزي ـ الخطط. ج ٣. ص ٦٠ وص ٦١ وص ٦٣. القاهرة. طبعة دار التحرير.