الحياة سواء بالنسبة للأفراد أو الدول ، كلها للشريعة ـ فلا فصل بين القرآن والسياسة ؛ وبين الدين ، والسياسة ؛ أو بين السياسة ، والدولة.
أضف إلى ذلك كله أن مصطلح «سياسة» إنما جاء على أثر بداية الانحراف عن إسلامية القانون الذي بدأه المماليك عند ما جاءوا ب «ياسة» جنكيز خان التتري ٥٦٢ ـ ٦٢٤ / ١١٦٧ ـ ١٢٢٧ م. فجعلوا الياسة القانون الذي يتحاكم إليه الجند ، وتخضع لأحكامه أجهزة الدولة ـ الدواوين السلطانية ـ ، فأخرجوا جهاز الدولة من نطاق هيمنة الشريعة. ومنذ ذلك الحين ظهر اصطلاح السياسة بإضافة سين أول كلمة «ياسة» ثم أدخلوا عليها الألف واللام فصارت السياسة ـ وبدأ مفهوم الفصل بينها ، وبين الشريعة أو الدين يظهر شيئا فشيئا. ويقرر المقريزي أن مصطلح السياسة ليس عريقا في الشريعة الإسلامية ؛ وكذلك تعبير فصل السياسة عن الدين. وحيث جاء وشاع مع بداية انحطاط الدولة الإسلامية زمن المماليك. فهو يقول : «وليس ما يقوله أهل زماننا في شيء من هذا ، وإنّما هي كلمة «مغلية» أصلها «ياسة» ، فحرّفها أهل مصر ، وزادوا بأولها سينا ، فقالوا : «سياسة» ، وأدخلوا عليها الألف واللام ، فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية. وما الأمر فيها إلا ما قلت لك ... واسمع الآن كيف نشأت هذه الكلمة حتى انتشرت بمصر ، والشام ... إن جنكيز خان قرر قواعد ، وعقوبات أثبتها في كتاب سماه «ياسة» ومن الناس من يسميه «يسق». والأصل في اسمه «ياسة» جعله شريعة لقومه ، فالتزموه كالتزام أول المسلمين حكم القرآن. فلما كثرت وقائع التتر في بلاد المشرق والشمال ، وبلاد القبجاق ، وأسروا كثيرا منهم ، وباعوهم ، تنقلوا في الأقطار ؛ واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية. ومنهم من ملك ديار مصر ، وأولهم المعز إيبك .. وكانوا إنما ربوا بدار الإسلام ، ولقنوا القرآن ، وعرفوا أحكام الملة المحمدية ؛ فجمعوا بين الحق والباطل ، وضموا الجيد إلى الرديء ، وفوّضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ؛ وناطوا به أمر الأوقاف والأيتام ؛ وجعلوا إليه النظر في الأقضية