الشرعية .. واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع إلى عادة جنكيز خان ، والاقتداء بحكم الياسة ، فلذلك نصبوا الحاجب ؛ ليقضي بينهم على مقتضى «الياسة» ؛ وجعلوا إليه مع ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية» (١). وبذلك فالمماليك هم الذين سنوا هذه السنة السيئة ؛ سنة إخراج جهاز الدولة من إطار هيمنة الشريعة الإسلامية. ثم جاءت الغزوة الأوروبية الحديثة ، فأمعنت في السير على ذات الطريق. ثم جاء العلمانيون ينادون باتباع هذه السنّة السيئة ، وبالترويج لعبارة : فصل الدين عن السياسة ، أو الدين عن الدولة ؛ وهم يعلمون أن بداية تطبيق هذا المصطلح أو هذا الشعار ، بدأ ببدء مرحلة انحطاط المسلمين في عصر المماليك.
ولنا القول : ومن هنا نستطيع التأكيد على بطلان دعوى العلمانيين بالنسبة لهذا الشعار ، فلا فصل عندنا بين الدين ، والسياسة ؛ أو بين الدين والدولة. وإننا عند ما كان شعارنا في الحكم الإسلام دين ، ودولة ؛ وعند ما كنا نحتكم إلى إسلامنا في ديننا ، كانت الغلبة ، والعزة لنا. وعند ما فصلنا بين الدين والدولة ؛ وأبعدنا الدين عن السياسة كانت الهزيمة لنا. ونحن نعايشها الآن ، ويصر العلمانيون على معايشتها ، واستمرارها بمناداتهم بشعار الهزيمة في التطبيق ، شعار فصل القرآن عن السياسة ، أو كما يحلو لهم أن يصوغوه : فصل الدين عن السياسة.
ونحن أمة الإسلام ـ هذه هداية الله لنا ، وهذا هو حق ربنا لنا ، وعلينا أن يكون ديننا ، وأن يكون إسلامنا دين روح ، وحياة. ودين دولة وسياسة ، ودين حياة أخروية ، ودنيوية. وهذا أمر الله فينا ؛ به نسعد ، وبدونه نشقى. وهو بالنسبة لنا قضاء حق ، وهو بالنسبة للعلمانيين قضاء بطلان وخسران. وصدق قول ربنا : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) سورة غافر آية ٧٨.
وقوله تعالى : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) سورة غافر آية ٨٥.
__________________
(١) المقريزي ـ الخطط ـ ج ٣ ص ٦٠ ، وص ٦١ ، وص ٦٣.