ولعلّ الصفة القسرية للضريبة تتأتى من عدم ضرورة مشورة الأفراد حين فرضها أو إنفاقها ، بل وفي عدم حقهم على الاعتراض ؛ وكذلك في حق الدولة في الانفراد بوضع النظام القانوني للضريبة بتحديد : وعائها ، وسعرها ، ونصابها ، ومواعيد تحصيلها ، والقائمين عليها ... فالقسرية بالنسبة للضريبة هي قسرية مجحفة في حقيقتها ، ظالمة في فرضيتها ، يبررها فقط صدور القوانين الشكلية من قبل مجالس الشعب ، أو برلمانات الأحزاب.
أمّا بالنسبة لفرضية الزكاة : فهي تجبى أيضا ، وتفرض بالقسر والجبر والإكراه ، إلّا أنّها في قسريتها منصفة ، عادلة ، مزكية ، مثيبة ، وقسريتها تتأتى من أداء الواجب للتكليف الشرعي قبل المادي في الإنفاق.
ولعل عدالة فرضية الزكاة تنبع من كون أنّ التكليف بها إنّما جاء بنصوص شرعية إلهية في القرآن ، أو نبوية في السّنة ، ومن هنا يفرق بين فرضية الزكاة عن فرضية الضريبة التي جاءت بأوامر بشرية حزبية أو حكومية على شكل قوانين ، أو مراسم ، أو قرارات رئاسية ، أو ملكية. ومن هنا فإنّ قسرية الضريبة غالبا ما تكون قسرية هوائية ظالمة يتهرب الأفراد المموّلون منها ، ويحاولون التهرب من دفعها. وهذا على عكس الزكاة ، فقسريتها حافز لأدائها ، والإقبال عليها ، لأنّها قسرية عادلة مثيبة يدفعها المكلّف ، ولا يتهرب منها بل يقبل عليها طمعا في ثواب الله وغفرانه.
وتقرّر السّنة النبوية التحصيل الجبري للزكاة في حالة التهرب منها. وفي ذلك فائدة دنيوية وأخروية لدافعيها. ويقرّر الإمام إسحاق بن راهويه : اقتطاع شيء من مال الممتنع أو المتهرب من دفع الزكاة فضلا عن الزكاة المستحقة استنادا لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن أباها فإنّي آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» رواه أبو داود ، والنسائي.