عليه دافعها ، وكذلك تقتضي عدم وجود علاقة بين ما يدفعه المكلف المموّل ، وبين ما يحصل عليه من منافع محدّدة من الدولة. بل قد لا يحصل على أي منها أو بعضها. فالفرد إنما يدفع الضريبة ليس ليحصل على مقابل ، بل يدفعها بصفة أحد أفراد المجتمع ، وتربطه بالدولة روابط اقتصادية ، واجتماعية ، وسياسية ؛ وعليه أن يساهم في كل الأعباء العامة للدولة ، وله أن يستفيد من خدماتها كما تملي ذلك قواعد وشروط العقد الاجتماعي ، ولكن على شرط ألّا تتساوى المنافع التي يحصل عليها الفرد مع الضرائب التي يدفعها في المقدار ؛ بل إنّ فرضية الضريبة غالبا ما تتوقف على طاقة المكلّف ، والمقدرة التكليفية له.
وأمّا بالنسبة للزكاة : فهي تختلف عن الضريبة في معنى المقابل ، وهو حسب المعيار الأخروي مقابل عظيم ، وينتظره بل يرجوه دافع الزكاة ، ولكن من الله تعالى ، وليس من الدولة أو رئيسها. فالزكاة لا ، ولن ينتفي النفع الذي يحصل عليه دافعها مقابلا لها ، وهو النفع الأخروي الاسمي عن النفع المادي الأدنى. والزكاة عند ما يدفعها المسلم لا يشكل النفع المادي الذي قد يحصل أو لا يحصل عليه مقابلها أية قضية أو إشكال ؛ وذلك في مقابل ما يرجوه من ثواب ، وغفران ، ورضا من الله ؛ وهو غاية ما يرجوه الإنسان إذا ما غمر الإيمان قلبه. معياره في دفع الزكاة عمل الخير ، مصداق قوله تعالى في سورة الزلزلة : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) آية ٧.
وما مقابل الزكاة إلّا البركة ، والنمو ، والزيادة للمال المزكى ، وما مقابل الزكاة إلّا البركة ، والصحة ، والعافية للمسلم المزكي ، وما مقابل الزكاة إلّا الثواب ، والأجر من الله تعالى يرجوه المسلم دافع الزكاة ، ومع هذه المفاهيم السامية تنتفي أهمية عنصر فرضية النفع المادي المقابل للزكاة ، وهذا ما يفرقها بل يفنّد الاشتراك بينها ، وبين الضريبة بالنسبة لهذا العنصر.