والدواعي توفرت على نقله ، وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه شيء فيما ذكرناه ؛ لأن القرآن مفخرة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه ، وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ، وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا ، أو منقوصا مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد».
الثالث : إنّ التواتر قد قام ، والإجماع قد انعقد على أن الموجود بين دفتي المصحف هو كلام الله ، هو القرآن من غير زيادة ، ولا نقصان ، ولا تغيير ، ولا تبديل. والإجماع سبيل من سبل الحق قويم : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).
الرابع : إنّ الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ وهو الذي يزعمون أنّهم يتشيعون له صح النقل عنه أنّه حبذ جمع القرآن ، بل وأثنى على جامعيه : أبي بكر ، وعثمان ، فقد قال علي عن أبي بكر : «أعظم النّاس أجرا في المصاحف أبو بكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أوّل من جمع كتاب الله». وقال عن عثمان ما نصه : «يا معشر الناس ، اتقوا الله ، وإياكم والغلو في عثمان ، وقولكم : حرّاق المصاحف ، فو الله ، ما حرّقها إلّا عن ملأ منا أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم»». وقوله أيضا : «لو كنت الوالي وقت عثمان ، لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان».
الخامس : لو كانت ادعاءاتهم صحيحة ، لقام علي بن أبي طالب بعد أن استلم الخلافة ، وصحح ما حرفه الخلفاء من قبله ، ولكن هل فعل شيئا من هذا؟ هل اتهم أحدا منهم أنّه حرف ، أو غير ، أو أسقط شيئا من القرآن؟ أبدا أبدا.
(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) سورة الصافات آيات ١٨٠ ـ ١٨٢.