نسأل الله بركة ذلك اليوم ، قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليهالسلام : وأما قوله عزوجل : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وقوله : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) وقوله : ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) وقوله ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) فأما قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا (١) فيذهب عنهم كل قذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة ، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم : ( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) (٢) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله : ( إلى ربها ناظرة ) وإنما بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأما قوله : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) فهو كما قال : ( لا تدركه الأبصار ) يعني لا تحيط به الأوهام ( وهو يدرك الأبصار ) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا ، وقد سأل موسى عليهالسلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل ( رب أرني أنظر إليك ) (٣) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب ، فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة (٤) ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا
__________________
١ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( ويشربون من آخر فتبيض وجوههم ـ الخ ).
٢ ـ الزمر : ٧٣.
٣ ـ الأعراف : ١٤٣.
٤ ـ برؤية ثوابه أو رؤية عظمته وسلطانه أو رؤية القلب لأن الاجماع والآيات والأخبار وأدله العقل على أنه تعالى لا يرى رؤية العين لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في النوم ولا في اليقظة ولا في غير ذلك.