العرش ) أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له ، وقوله عزوجل : ( ثم ) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا يجوز أن يكون معنى قوله : ( استوى ) استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث ، بل لم يزل مالكا لكل شيء ومستوليا على كل شيء ، وإنما ذكر عزوجل الاستواء بعد قوله : ( ثم ) وهو يعني الرفع مجازا ، وهو كقوله : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) (١) فذكر ( نعلم ) مع قوله : ( حتى ) وهو عزوجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث ، وعلم الله عزوجل بالأشياء لا يكون حادثا ، وكذلك ذكر قوله عزوجل : ( استوى على العرش ) بعد قوله : ( ثم ) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاستيلائه عليه ، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً. (٢)
__________________
١ ـ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : ٣١.
٢ ـ حاصل مراده رحمهالله أن ( ثم ) لا يتعلق بقوله ( استوى ) لأنه بمعنى استولى واستيلاؤه تعالى على العرش لا يكون متأخرا عن خلق السماوات والأرض لأنه مالك ملك مستول على كل شيء أزلا ، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات لأنه استوى عليه ، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والأربعين ، وقيل : ثم أظهر استواؤه على العرش للملائكة ، وقيل : ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق السماوات والأرض ، وقيل : ثم بين أنه استوى على العرش ، وقيل : ثم صح الوصف بأنه مستو على العرش لأنه لم يكن عرش قبل وجوده ، والحق أن ثم لمجرد الترتيب ، والاستواء هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد ، وحاصل المعنى أنه تعالى استوى على العرش الذي هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الأمر ونفاذه فيه بعد الايجاد ألا له خلق الأشياء وأمرها بعد إيجادها ، ولا يخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الآية ، ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله : ( الرحمن على العرش استوى ) ثم إن قوله : ( على العرش ) متعلق باستوى إن فسر بالاستيلاء ، وإن فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف واستوى حال أو خبر بعد خبر ، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا.