الله تفي الصفات عنه (١) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (٢) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث ، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحده من اكتنهه (٣) ولا حقيقة أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه (٤) ولا صمد صمده من أشار إليه (٥) ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع (٦) وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته (٧). خلق الله حجاب بينه
__________________
١ ـ هذا الكلام كثير الدور في الكلمات أئمتنا سلام الله عليهم ، والمراد به أنه تعالى ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح به في بعض الأخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للأشاعرة حيث قالوا : ( إن كل مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات ) ، وفي بعض كلماتهم عليهمالسلام يمكن تفسير نفي الصفات بنفي الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب عن وصف الواصفين.
٢ ـ أي كل مركب من الصفة والموصوف.
٣ ـ الاكتناه طلب الكنه ، فإن من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات التي يمكن اكتناهها.
٤ ـ التنهية جعل الشيء ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج.
٥ ـ أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لأنه أينما تولوا فثم وجه الله ، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة.
٦ ـ أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع ، وهذا لا ينافي قول أمير المؤمنين عليهالسلام : ( يا من دل على ذاته بذاته ) ولا قول الصادق عليهالسلام : ( اعرفوا الله بالله ) لأن معنى ذلك أنه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى إلا الله لأن الكل ينتهي إليه ، فالباء هنا للالصاق والمصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به إدراكا فهو مصنوع ، وهنالك للسببية.
٧ ـ أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الأدلة وحجية الحجج.