إلّا قوّته ، لا حول إلّا حوله ، لا إرادة إلّا إرادته ، لا ملجأ إلّا إليه وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة الّتي يقوم عليها تصوّر صحيح!
والنصّ القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق :
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
إنّا لله ، كلّنا ، كلّ ما فينا ، كلّ كياننا وذاتيّتنا لله وإليه المرجع والمآب في كلّ أمر ، وفي كلّ مصير ، التسليم ، التسليم المطلق ، تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ، وبالتصوّر الصحيح.
هؤلاء هم الصابرون ، الّذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل وهؤلاء هم الّذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء بالصبر الجميل :
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
صلوات من ربّهم ، يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيّه الّذي يصلّي عليه هو وملائكته سبحانه ، وهو مقام كريم ، ورحمة ، وشهادة من الله بأنّهم هم المهتدون وكلّ أمر من هذه هائل عظيم!! (١)
وهكذا جاء في الآثار عن السلف الصالح :
[٢ / ٤٠٤١] أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) الآية. قال : أخبر الله المؤمنين أنّ الدنيا دار بلاء ، وأنّه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر ، وبشّرهم فقال : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). وأخبر أنّ المؤمن إذا سلّم لأمر الله ورجّع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبل الهدى.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه» (٢).
__________________
(١) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٤.
(٢) الدرّ ١ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ؛ الطبري ٢ : ٥٦ و ٥٨ ـ ٥٩ / ١٩٢٩ و ١٩٣٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٣ و ٢٦٤ ـ ٢٦٥ / ١٤١٦ و ـ