ما أفخم هذا التوكّل وهذا الانقطاع إلى الله الكبير المتعال؟!
ومن ثمّ تداركته عناية ربّه الجليل : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(١).
[٢ / ٣١٦٩] وروى ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى زيد الشحّام قال : سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليهالسلام يقول : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا. وإنّ الله اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ الله اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا. وإنّ الله اتّخذه خليلا قبل أن يجعله إماما. فلمّا جمعت له الأوصاف قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً). ومن عظمها قال إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي.) قال تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). قال الإمام الصادق : لا يكون السفيه إمام التقيّ!» (٢)
* * *
قال أبو جعفر الطبري في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
يعني ـ جلّ ثناؤه ـ بقوله : (وَإِذِ ابْتَلى) وإذا اختبر ، يقال منه : ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء.
ومنه قول الله ـ عزوجل ـ : (وَابْتَلُوا الْيَتامى). يعني به : اختبروهم. وكان اختبار الله ـ تعالى ذكره ـ إبراهيم اختبارا بفرائض فرضها عليه ، وأمر أمره به ، وذلك هو الكلمات التي أوحاهنّ إليه وكلّفه العمل بهنّ امتحانا منه له واختبارا.
ثمّ أخذ في بيان تفاصيل الأقوال ، قال :
اختلف أهل التأويل في صفة الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيّه وخليله ـ صلوات الله عليه ـ فقال بعضهم : هي شرائع الإسلام ، وهي ثلاثون سهما.
[٢ / ٣١٧٠] كما حدّثنا محمّد بن المثنّى ، بالإسناد إلى عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلّا إبراهيم ، ابتلاه الله بكلمات فأتمّهنّ. قال : فكتب الله له البراءة ، فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى). قال : عشر منها في الأحزاب ، وعشر منها في براءة ، وعشر منها في المؤمنين والمعارج
__________________
(١) الأنبياء ٢١ : ٦٩.
(٢) الكافي ١ : ١٧٥ / ٢ ، كتاب الحجة باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة ؛ البحار ١٢ : ١٢ / ٣٦ و ٢٥ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ١٧. عن كتاب الاختصاص للمفيد : ٢٢.