الله وخالصا لوجهه. قال المرتضى ـ قدس الله روحه ـ : لم نسبق إلى هذا الوجه في هذه الآية. وهو أحسن ما قيل فيها ؛ لأنّ تأثير ذلك أبلغ من تأثير حبّ المال ، لأنّ المحبّ للمال الضنين به متى بذله وأعطاه ولم يقصد به القربة إلى الله تعالى ، لم يستحقّ شيئا من الثواب ، وإنّما يؤثّر حبّه للمال في زيادة الثواب متى حصل قصد القربة والطاعة. ولو تقرّب بالعطيّة وهو غير ضنين بالمال ولا محبّ له لا يستحقّ الثواب (١).
* * *
وهذا الّذي ذكره أبو عليّ الطبرسي رحمهالله مقتبس من تحقيق جامع حول الآية ، أورده السيد المرتضى علم الهدى ـ قدّس الله روحه ـ في أماليه ، فلنذكره بنصّه :
قال : إن سأل سائل عن قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ) إلى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) فقال :
كيف ينفي كون تولية الوجوه إلى الجهات ، من البرّ؟ وإنّما يفعل ذلك في الصلاة ، وهي برّ لا محالة. وكيف خبّر عن البرّ بمن؟ والبرّ كالمصدر ، ومن اسم محض!
وعن أيّ شيء كنّى بالهاء في قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ). وما المخصوص بأنّها كناية عنه ، وقد تقدّمت أشياء كثيرة؟
وعلى أيّ شيء ارتفع (الْمُوفُونَ؟) وكيف نصب (الصَّابِرِينَ) وهو معطوف على (الْمُوفُونَ).
وكيف وحّد الكناية في موضع وجمعها في آخر ، فقال : من آمن ، وآتى المال ، وأقام الصلاة. ثمّ قال : والموفون ، والصابرين؟
فقال في الجواب : يقال له فيما ذكرته أوّلا جوابان :
أحدهما : أنّه أراد تعالى ، ليس الصلاة هي البرّ كلّه ، ولكنّه عدّد ما في الآية من ضروب الطاعات وصنوف الواجبات ، فلا تظنّوا أنّكم إذا توجّهتم إلى الجهات بصلاتكم ، فقد أحرزتم البرّ بأسره وحزتموه بكماله ، بل يبقى عليكم بعد ذلك معظمه وأكثره.
والجواب الثاني : أنّ النصارى لمّا توجّهوا إلى المشرق ، واليهود إلى بيت المقدس ، واتّخذوا هاتين الجهتين قبلتين ، واعتقدوا في الصلاة إليها أنّهما برّ وطاعة ، خلافا على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أكذبهم
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ٤٨٧.