الله في ذلك ، وبيّن أنّ ذلك ليس من البرّ ؛ إذ كان منسوخا بشريعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّتي تلزم الأسود والأبيض والعربيّ والعجميّ وأنّ البرّ هو ما تضمّنته الآية.
فأمّا إخباره بمن ، ففيه وجوه ثلاثة :
أوّلها : أن يكون البرّ هاهنا البارّ أو ذا البرّ ، وجعل أحدهما في مكان الآخر ، والتقدير : ولكنّ البارّ من آمن بالله ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً)(١) يريد غائرا ومثل قول الشاعر :
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار |
أراد أنّها مقبلة مدبرة. ومثله :
تظلّ جيادهم نوحا عليهم |
|
مقلدة أعنتها صفونا |
أراد نائحة عليهم. ومثله قول الشاعر :
هريقي من دموعهم سجاما |
|
ضباع وجاوبي نوحا قياما |
والوجه الثاني : أنّ العرب قد تخبر عن الاسم بالمصدر والفعل ، وعن المصدر بالإسم ، فأمّا إخبارهم عن المصدر بالإسم فقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ)(٢) وقول العرب : إنّما البرّ الّذي يصل الرحم ويفعل كذا وكذا. وأمّا إخبارهم عن الاسم بالمصدر والفعل فمثل قول الشاعر :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى |
|
ولكنّما الفتيان كلّ فتى ندّ |
فجعل أن تنبت ، وهو مصدر ، خبرا عن الفتيان.
والوجه الثالث : أن يكون المعنى : ولكنّ البرّ برّ من آمن ، فحذف البرّ الثاني وأقام الأوّل مقامه ، كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(٣) أراد حبّ العجل. قال الشاعر :
وكيف تواصل من أصبحت |
|
خلالته كأبي مرحب |
أراد : كخلالة أبي مرحب. وقال النابغة :
وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي |
|
على وعل في ذي المطارة عاقل |
أراد على مخافة وعل. وتقول العرب : بنو فلان يطؤهم الطريق أي أهل الطريق. وحكي عن
__________________
(١) الملك ٦٧ : ٣٠.
(٢) البقرة ٢ : ١٧٧.
(٣) البقرة ٢ : ٩٣.