والوجه الآخر : أن يكون معطوفا على (مَنْ آمَنَ) ويكون المعنى : ولكنّ ذا البرّ وذوي البرّ المؤمنون والموفون بعهدهم.
فأمّا نصب الصابرين ففيه وجهان ؛ أحدهما : المدح ، لأنّ مذهبهم في الصفات والنعوت إذا طالت ، أن يعترضوا بينهما بالمدح والذمّ ، ليميّزوا الممدوح أو المذموم ويفردوه ، فيكون غير متّبع لأوّل الكلام. من ذلك قول الخرنق بنت بدر بن هفّان :
لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبين معاقد الأزر |
فنصبت ذلك على المدح وربما رفعوهما جميعا على أن يتّبع آخر الكلام أوّله. ومنهم من ينصب النازلين ويرفع الطيّبين ، وآخرون يرفعون النازلين وينصبون الطيّبين. والوجه في النصب والرفع ما ذكرناه. ومن ذلك قول الشاعر أنشده الفرّاء :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وذا الرّأي حين تغمّ الأمو |
|
ر بذات الصّليل وذات اللّجم |
فنصب ليث الكتيبة وذا الرأي على المدح .. وأنشد الفرّاء أيضا :
فليت الّتي فيها النجوم تواضعت |
|
على كلّ غثّ منهم وسمين |
غيوث الحيا في كلّ محل ولزبة |
|
أسود الشّرا يحمين كلّ عرين |
وممّا نصب على الذمّ قوله :
سقوني الخمر ثمّ تكنّفوني |
|
عداة الله من كذب وزور |
والوجه الآخر في نصب الصابرين : أن يكون معطوفا على ذوي القربى ، ويكون المعنى : وآتى المال على حبّه ذوي القربى والصابرين. قال الزجاج : وهذا لا يصلح إلّا أن يكون الموفون رفعا على المدح للمضمرين ، لأنّ ما في الصلة لا يعطف عليه بعد العطف على الموصول ، وكان يقوّي الوجه الأوّل.
وأمّا توحيد الذكر في موضع وجمعه في آخر ، فلأنّ (مَنْ آمَنَ) لفظه لفظ الوحدة ، وإن كان في المعنى للجمع ، فالذكر الّذي أتى بعده موحّدا يجري على اللفظ ، وما جاء من الوصف بعد ذلك على سبيل الجمع مثل قوله تعالى : (وَالْمُوفُونَ) و (الصَّابِرِينَ) ، فعلى المعنى.