عنه أنّه فعل. وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكروه في تأويل الكلمات ، وجائز أن تكون بعضه ، لأنّ إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ قد كان امتحن فيما بلغنا بكلّ ذلك ، فعمل به وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه. وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز لأحد أن يقول : عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء ، ولا عنى به كلّ ذلك إلّا بحجّة ، يجب التسليم لها من خبر عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو إجماع من الحجّة ، ولم يصحّ في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد ، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته. غير أنّه روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في نظير معنى ذلك خبران لو ثبتا ، أو أحدهما ، كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب. أحدهما ما :
[٢ / ٣١٨٦] رواه أبو كريب ، بالإسناد إلى سهل بن معاذ ، عن أبيه ، قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يقول : ألا أخبركم لم سمّى الله إبراهيم خليله الذي وفّى؟ لأنّه كان يقول كلّما أصبح وكلّما أمسى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ...) حتّى يختم الآية.
والآخر منهما ما :
[٢ / ٣١٨٧] رواه بالإسناد إلى أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) قال : أتدرون ما وفّى؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وفّى عمل يومه أربع ركعات في النهار».
قال أبو جعفر : فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحا سنده ، كان بيّنّا أنّ الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم فقام بهنّ هو قوله كلّما أصبح وأمسى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ). أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته ، كان معلوما أنّ الكلمات التي أوحي إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهنّ أن يصلّي كلّ يوم أربع ركعات. غير أنّهما خبران في أسانيدهما نظر.
والصواب من القول في معنى الكلمات التي أخبر الله أنّه ابتلي بهنّ إبراهيم ما بيّنّا آنفا.
ولو قال قائل في ذلك : إنّ الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله وغيرهم ، كان مذهبا ، لأنّ قوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وقوله : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنّه ابتلي بهنّ إبراهيم. (١)
__________________
(١) الطبري ١ : ٧٢٩ ـ ٧٣٦.