قال الحافظ ابن كثير : وهو كما قال ابن جرير ، فإنّه لا يجوز روايتهما إلّا ببيان ضعفهما ، وضعفهما من وجوه عديدة ، فإنّ كلّا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء ، مع ما في متن الحديث ما يدلّ على ضعفه. (١)
وقال ابن أبي حاتم : اختلف أهل التفسير في ذلك على أقوال ، فمنها :
[٢ / ٣١٨٨] ما حدّثنا الحسن بن أبي الربيع عن عبد الرزّاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عبّاس : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) قال : ابتلاه الله بالطهارة ، خمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس : قصّ الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وفي الجسد : تقليم الأظافر وحلق العانة ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء. وروى عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نحو ذلك. وروي عن ابن عبّاس قول آخر (٢) وجعل يرد سائر الأقوال حتّى أنهاها إلى سبعة كما ذكره الطبري.
[٢ / ٣١٨٩] وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم فأتمّهنّ : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجّته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم ، وصبره على قذفهم إيّاه في النار ليحرقوه في الله ، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها ، وما ابتلي به من ذبح ولده. فلمّا مضى على ذلك كلّه وأخلصه البلاء قال الله له : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٣). (٤)
* * *
وهناك من المفسّرين من أرجع الضمير ـ المرفوع ـ في «أتمّهنّ» إلى الله ، ليكون تعالى هو الذي ابتلى إبراهيم بكلمات ألقاهنّ إليه ، ليسأل الله تعالى بها ـ كما في قصّة آدم عليهالسلام (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)(٥) ـ فيكون معنى «أتمّهنّ» أكملهنّ بالإجابة والتأثير في رفع الدرجات والإستئهال لنيل مقام الإمامة.
__________________
(١) ابن كثير ١ : ١٧٠.
(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٢.
(٣) البقرة ٢ : ١٣١.
(٤) الدرّ ١ : ٢٧٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٠ / ١١٦٧.
(٥) البقرة ٢ : ٣٧.