معانقة الرجل الرجل إذا هو لقيه؟ قال : «كانت تحيّة الأمم. وفي لفظ : كانت تحيّة أهل الإيمان وخالص ودّهم ، وإنّ أوّل من عانق خليل الرحمان ، فإنّه خرج يوما يرتاد لماشيته في جبل من جبال بيت المقدس ، إذ سمع صوت مقدّس يقدّس الله تعالى ، فذهل عمّا كان يطلب ، فقصد قصد الصوت ، فإذا هو بشيخ طوله ثمانية عشر ذراعا أهلب (١) يوحّد الله ـ عزوجل ـ فقال له إبراهيم : يا شيخ من ربّك؟ قال : الذي في السماء! قال : من ربّ الأرض؟ قال : الذي في السماء! قال : فيها ربّ غيره؟! قال : ما فيها ربّ غيره ، لا إله إلّا هو وحده.
قال إبراهيم : فأين قبلتك؟ قال : إلى الكعبة! فسأله عن طعامه فقال : أجمع من هذه الثمرة في الصيف فآكله في الشتاء! قال : هل بقي معك أحد من قومك؟ قال : لا. قال : أين منزلك؟ قال : تلك المغارة. قال : اعبر بنا إلى بيتك. قال : بيني وبينها واد لا يخاض. قال : فكيف تعبره؟ فقال : أمشي عليه ذاهبا وأمشي عليه عائدا. قال : انطلق بنا فلعلّ الذي ذلّله لك يذلّله لي!
فانطلقا حتّى انتهيا ، فمشيا جميعا عليه ، كلّ واحد منهما يعجب من صاحبه ، فلمّا دخلا المغارة فإذا بقبلته قبلة إبراهيم! قال له ابراهيم : أيّ يوم خلق الله أشدّ؟ قال الشيخ : ذلك اليوم الذي يضع كرسيّه للحساب ؛ يوم تسعّر جهنّم لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا خرّ يهمّه نفسه. قال له إبراهيم : ادع الله يا شيخ أن يؤمّنّي وإيّاك من هول ذلك اليوم! قال الشيخ : وما تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة محبوسة منذ ثلاث سنين؟ قال إبراهيم : ألا أخبرك ما حبس دعاءك؟ قال : بلى! قال : إنّ الله ـ عزوجل ـ إذا أحبّ عبدا احتبس مسألته ، يحبّ صوته ، ثمّ جعل له على كلّ مسألة ذخرا لا يخطر على قلب بشر ، وإذا أبغض الله عبدا عجّل له حاجته أو ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته ، فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة؟
قال : مرّ بي هاهنا شابّ في رأسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم ، قلت : لمن هذه؟ قال : لخليل الله إبراهيم. قلت : اللهمّ إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل خروجي من الدنيا! قال له إبراهيم عليهالسلام : قد أجيبت دعوتك ، ثمّ اعتنقا ؛ فيومئذ كان أصل المعانقة ، وكان قبل ذلك السجود ، هذا
__________________
(١) كثير الشعر.