رأى إبراهيم سارة تبكي فبكى لبكائها؟ فلمّا رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه. ثمّ صعد ملك الموت ؛ فلمّا ارتقى غضب إبراهيم ، فقال : بكيتم في وجه ضيفي حتّى ذهب. فقال إسحاق : لا تلمني يا أبت فإنّي رأيت ملك الموت معك ، لا أرى أجلك إلّا قد حضر فأرث في أهلك. أي : أوصه ، وكان لإبراهيم بيت يتعبّد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره ، فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبّد فيه فإذا هو برجل جالس ، فقال إبراهيم : من أدخلك ، بإذن من دخلت؟! قال : بإذن ربّ البيت! قال : ربّ البيت أحقّ به ، ثمّ تنحّى في ناحية البيت فصلّى ودعا كما كان يصنع ، وصعد ملك الموت ، فقيل له : ما رأيت؟ قال : يا ربّ جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير. قيل له : ما رأيت منه؟ قال : ما ترك خلقا من خلقك إلّا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته.
ثمّ مكث إبراهيم عليهالسلام ما شاء الله ، ثمّ جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس ، قال له : من أنت؟ قال : إنّما أنا ملك الموت! قال إبراهيم : إن كنت صادقا فأرني آية أعرف أنّك ملك الموت! قال : أعرض بوجهك يا إبراهيم. قال : ثمّ أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين ، فرأى شيئا من النور والبهاء لا يعلمه إلّا الله ، ثمّ قال : أعرض بوجهك. ثمّ قال : انظر فأراه الصورة التي يقبض فيها الكفّار والفجّار ، فرعب إبراهيم رعبا حتّى ألصق بطنه بالأرض ، كادت نفس إبراهيم تخرج ، فقال : أعرف ، فانظر الذي أمرت به فامض له.
فصعد ملك الموت فقيل له : تلطّف بإبراهيم ، فأتاه وهو في عنب له (١) وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء ، فلمّا رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلا ثمّ دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ، ثمّ جاء فوضعه بين يديه فقال : كل. فجعل يمضغ ويريه أنّه يأكل ويمجّه على لحيته وعلى صدره ، فعجب إبراهيم فقال : ما أبقت السنّ منك شيئا كم أتى لك؟ فحسب مدّة إبراهيم ، فقال : أمالي كذا وكذا؟! فقال إبراهيم : قد أتي لي هذا ، إنّما أنتظر أن أكون مثلك. اللهمّ اقبضني إليك ، فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال. (٢)
[٢ / ٣٢٠٣] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس والغسولي في جزئه المشهور ، واللفظ له ، عن تميم الداري : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن
__________________
(١) أي كرم وهو بستان العنب.
(٢) الدرّ ١ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ؛ الحلية ٦ : ٢٧ ـ ٢٩ ؛ ابن عساكر ٦ : ٢٥٣ ـ ٢٥٥.