سورة النور
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١))
قوله (سُورَةٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي ما أوحينا إليك سورة أو مبتدأ محذوف الخبر ، و (أَنْزَلْناها) صفة لها ، أي فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها وإنما اختصت بذكر السورة لارتفاعها بذكر الأحكام العظام (وَفَرَضْناها) بالتخفيف ، أي ألزمناكم العمل بما فيها من الفروض ، وبالتشديد (١) ، أي فصلنا أحكامها التي فيها (وَأَنْزَلْنا فِيها) أي في هذه السورة (آياتٍ) أي بالأمر والنهي (بَيِّناتٍ) أي بلغتكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [١] أي لكي تتعظوا فتؤمنوا.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢))
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) مبتدآن ، خبرهما محذوف عند سيبويه ، أي فيما فرضنا عليكم الزانية والزاني ، أي جلدهما أو الخبر (فَاجْلِدُوا) وأدخلت فيه الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي ، وهو متضمن بمعنى الشرط ، كأنه قيل من زنا فاجلدوه وهو حكم من ليس بمحصن فان حكم المحصن الرجم لا يقال أنه عام يتناول المحصن وغيره فيقتضي تعليق الحكم بهما جميعا ، لأنا نقول الزانية والزاني يدلان على معنى الجنسية وهو قائم في الكل والبعض ، فأيهما قصد المتكلم فلا عليه كالمشترك يعني اضربوا (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) وقدم الزانية على الزاني هنا لكونها مادة الجناية الناشئة عنها ، ومائة نصب على المصدر ، والجلد ضرب الجلد كقولك بطنه وظهره ورأسه ، وشرائط الإحصان ست عند أبي حنيفة رحمهالله : الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والنكاح الصحيح والدخول ، فلا إحصان عند فقد واحد منها ، وعند الشافعي رحمهالله ليس الإسلام شرطا ، لأن النبي عليهالسلام رجم يهوديين ، وحجة أبي حنيفة قوله صلىاللهعليهوسلم : «من أشرك بالله فليس بمحصن» (٢) ، وأجيب بأن المراد منه أنه ليس بمحصن باحصان الزنا (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) قرئ بالهمز بلا مد وبهما وبمجرد المد (٣) ، وهي المرحمة والشفقة ، أي لا يأخذكم اللين والميل في استيفاء حدود الله منهما ولكن تصلبوا (فِي دِينِ اللهِ) أي في حكمه اقتداء بالنبي عليهالسلام أنه قال : «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» (٤) ، قوله (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تهييج وإلهاب للغضب لله ولدينه في الحديث : «يؤتى بوال نقص من حد سوطا ، فيقال (٥) لم نقصت فيقول رحمة
__________________
(١) «فرضناها» : شدد الراء المكي والبصري ، وخففها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٢٢١.
(٢) انظر الكشاف ، ٤ / ١١٣. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٣) «رأفة» : فتح الهمزة المكي وأسكنها غيره ، وأبدلها مطلقا السوسي وأبو جعفر وكذا حمزة وقفا. البدور الزاهرة ، ٢٢١.
(٤) رواه البخاري ، المغازي ، ٥٣ ؛ ومسلم ، الحدود ، ٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١١٣.
(٥) لهم ، + ح.