سورة العنكبوت
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢))
قيل : نزل في أناس من أصحاب النبي عليهالسلام ، قد جزعوا من المشركين كعمار وياسر وصهيب وكانوا يعذبون في الله (١)(الم [١] أَحَسِبَ النَّاسُ) وقيل : عير المشركون وأهل الكتاب المسلمين حين أصيبوا في أحد ، فشق ذلك عليهم (٢) ، فقال تعالى على سبيل العموم أظن الناس (أَنْ يُتْرَكُوا) أي يهملوا (أَنْ يَقُولُوا) أي لأن يقولوا (آمَنَّا) بالله (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [٢] بالتعذيب والقتل والأمر والنهي ، أي والحال أنهم لا يمتحنون بما يظهر إيمانهم ، يعني لا بد من امتحانهم ، ومفعولا «حسب» صلة «أن» الأولى التي اشتملت على مسند ومسند إليه بمنزلة المفعولين ، قالوا إذا أحب الله عبدا جعله للبلاء غرضا ، والفتنة الامتحان بشدائد التكليف بالمجاهرة والمجاهدة بأنفسهم وأعدائهم وسائر العبادات وهجر الشهوات والفقر والقحط وأنواع المصائب وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣))
(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أي اختبرنا (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل هذه الأمة كالأنبياء والأولياء ببلايا ، فمنهم من قتل بالعذاب ومنهم من نشر بالمنشار ومنهم من عذب بأنواع العذاب كالمشط بأمشاط الحديد فلم يعدل عن دينه (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي فليظهرن الله في الوجود بعد علمه في العدم بالامتحان الصادقين في إيمانهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [٣] فيه فيثيب الصادقين ويعاقب الكاذبين.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤))
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي أظن المسيئون (أَنْ يَسْبِقُونا) أي أنهم يفوتوننا فلا نقدر على الانتقام منهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [٤] أي بئس حكما يحكمونه حكمهم وهو المخصوص بالذم.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦))
قوله (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) نزل في جميع المسلمين (٣) ، أي من يأمل ثوابه ويخشى عقابه وحسابه (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي فليعلم أن أجل الله المضروب للثواب والعقاب (لَآتٍ) فليعمل لأجله قبل الفوت (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [٥] بأقوالكم وأعمالكم أو نزل في علي وحمزة وعبيد بن الحارث رضي الله عنهم حين بارزوا يوم بدر
__________________
(١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٦٥.
(٢) قد أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٦٥.
(٣) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣١.