سورة بني إسرائيل (الإسراء)
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١))
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) قيل : (سُبْحانَ) كلمة لازمة الإضافة ، دالة على التنزيه بالبليغ من كل قبيح (١) ، وهو وصف الله تعالى بالبراءة من كل نقص وعيب بالمبالغة ، وقال الزمحشري رحمهالله (٢) : إنه اسم علم مصدر هو التسبيح لا ينصرف بالعلمية وللزائد فيه كعثمان ، منصوب بفعل متروك إظهاره ، تقديره : أسبح الله سبحان ، ثم نزل منزلة الفعل ، وفيه معنى التعجب (٣) ، أي سبحوا الله من كل عيب يضيفه إليه الأعداء وتعجبوا من أمره الذي سرى (بِعَبْدِهِ) محمد عليهالسلام ، أي سيره (لَيْلاً) أي في بعض الليل بدلالة التنكير ، قيل : إنما ذكر الليل ولم يكتف بذكر (أَسْرى) الدال عليه إيذانا بأن الإسراء والرجوع كان في جزء من ليلة (٤) ، وأسرى وسرى بمعنى واحد لا يستعملان إلا في سير الليل خاصة ، يعني سار بعبده ليلا (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي من الحرم ، وسمي به لإحاطته بالمسجد ، قال ابن عباس : «الحرم كله مسجد» (٥) ، أراد أنه سيره من مسجد مكة ، وقيل : «من دار أم هانئ بنت أبي طالب» (٦) ، وكانت من الحرم بعد البعثة قبل الهجرة بسنة في شهر رمضان أو في رجب بجسده في اليقظة لتواتر الأخبار الصحيحة على ذلك ، وعليه الأكثرون ، وقد روي عن النبي عليهالسلام : «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبرائيل بالبراق» (٧) ، فذلك حديث الإسراء (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) أي إلى بيت المقدس ، سمي أقصى ، لأنه أبعد من المسجد الحرام ، إذ لم يكن حينئذ وراءه مسجد يعبد الله فيه (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) ظرف ، أي كثرنا فيه الثمار وأجرينا الأنهار ، وجعلناه مقرا للأنبياء والصالحين ، والمراد «مما حوله» دمشق والأردن وفلسطين وغيرها (لِنُرِيَهُ) أي محمد عليهالسلام ، متعلق ب (أَسْرى مِنْ آياتِنا) أي علاماتنا العجيبة الدالة على وحدانيتنا في تلك الليلة من عجائب السموات والأرض (إِنَّهُ) أي إن الله (هُوَ السَّمِيعُ) بأقوال محمد عليهالسلام وأقوال أهل مكة (الْبَصِيرُ) [١] بأفعاله وأفعالهم أو الحافظ له في ظلمة الليل وضوء النهار.
ذكر في حديث المعراج : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبرائيل ، ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ إيمانا وحكمة ، فأفرغه في صدري ثم أطبقه ، ثم أتيت ببراق ملجم مسرج ، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يقع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٢) وقال الزمخشري رحمهالله ، ب س : وقيل ، م.
(٣) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٣ / ١٦٩.
(٤) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٦٩.
(٥) انظر الكشاف ، ٣ / ١٦٩.
(٦) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٥٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٦٩.
(٧) عن مالك بن صعصة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٦٠.