سورة الكهف
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١))
قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) تلقين من الله لعباده كيف يحمدونه على أعظم نعمه الذي هو سبب نجاتهم من العذاب وفوزهم بالثواب يوم القيامة ، أي جميع المحامد لله (الَّذِي أَنْزَلَ) بجبرائيل (عَلى عَبْدِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم (الْكِتابَ) أي القرآن وإنما خص الرسول عليهالسلام بالذكر لبيان أن إنزال القرآن الذي هو نعمة عظيمة عليه على الخصوص وإن كان غيره على العموم ، قيل : ذكر التحميد في إنزال الكتاب والتسبيح في إسراء ، لأن مقام التسبيح مبدأ درجات كماله ومقام التحميد نهايتها لكونه مكملا للبشر بالكتاب (١) ، قوله (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) [١] إشارة إلى كمال الكتاب نحو لا ريب فيه ، أي لم يجعل الله للكتاب عوجا ، أي ميلا عن الصواب فهو بالغ في الصحة حتى يجب للعاقل أن لا يرتاب فيه.
(قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣))
قوله (قَيِّماً) منصوب بتقدير «جعله» ، وليس بحال من (الْكِتابَ) ، لأنه يلزم العطف على الصلة قبل تمامها ، ويجوز أن يكون «ولم يجعل» حالا منه ، و (قَيِّماً) حال أخرى ، ويكون إشارة إلى تكميل غيره ، لأن القيم هو القائم بمصالح الغير نحو هدى للمتقين ، أي أنزله (٢) الله قيما بمصالح عباده لما فيه من الأحكام والشرائع الموجبة لاستقامة الدين ، وقيل : بل جعله مستقيما لا نقص فيه بوجه ما كالتناقض والاختلاف (٣) ، ففي نفي العوج عنه ووصفه بالقيم دلالة على أنه في غاية الاستقامة ، فيكون ذكره للتأكيد (لِيُنْذِرَ) أي ليخوف عبده بالكتاب الذين كفروا بالبعث (بَأْساً شَدِيداً) أي بالعذاب القوي ، يعني النار ولم يذكر المفعول الأول ، لأن المنذر به هو الغرض بالإنذار (مِنْ لَدُنْهُ) تضم الدال وسكون النون ، وبسكون الدال وكسر النون (٤) ، أي صادرا من عنده ، وقدم الإنذار ، لأن دفع الضر أهم من تحصيل النفع (وَيُبَشِّرَ) بالكتاب (الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ) أي بأن (لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) [٢] وهو الجنة (ماكِثِينَ فِيهِ) أي مقيمين في الأجر الحسن (أَبَداً) [٣] لا يخرجون منه.
(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦))
(وَيُنْذِرَ) أي ويخوف أيضا (الَّذِينَ قالُوا) أي قال كفار مكة (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً [٤] ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي ليس لهم باتخاذ الولد له تعالى علم على حقيقته (٥) ، ولكن قولهم به عن جهل مفرط وتقليد الآباء وتسويل الشيطان (وَلا لِآبائِهِمْ) أي ليس لآبائهم من قبلهم من علم أيضا ، لأنه مستحيل في حقه تعالى لا للجهل
__________________
(١) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٢) أي أنزله ، و : أي أنزل ، ح ، أنزله ، ي.
(٣) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٩٧.
(٤) «من لدنه» : قرأ شعبة باسكان الدال مع إشمامها الضم وكسر النون والهاء ووصلها بياء في اللفظ ؛ والباقون بضم الدال وإسكان النون وضم الهاء من غير صلة إلا للمكي ، فمع الصلة. البدور الزاهرة ، ١٩٠.
(٥) حقيقته ، وي : الحقيقة ، ح.